الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6980 [ ص: 276 ] 20 - باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا أحد أغير من الله "

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك: "لا شخص أغير من الله"

                                                                                                                                                                                                                              7416 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عبد الملك، عن وراد كاتب المغيرة، عن المغيرة، قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة ". [ انظر: 6846 - مسلم: 1499 - فتح: 13 \ 399 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة، عن المغيرة - رضي الله عنه - قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              والصاد من ( مصفح ) ساكنة والفاء مكسورة ومفتوحة، أي: غير ضارب بعرضه بل بعده، وصفحتا الشيء وجهاه العريضان، وغراراه: حداه، فمن فتح الفاء جعله وصفا للسيف وحالا منه، ومن كسره جعله وصفا للضارب وحالا.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفت ألفاظ هذا الحديث: فرواه ابن مسعود مرفوعا: "لا أحد" كما سلف في آخر النكاح، وفي رواية عبيد الله ورواية ابن مسعود مبينة أن لفظ ( الشخص ) موضع ( أحد ) على أنه من باب المستثنى من غير [ ص: 277 ] جنسه وصفته، كقوله تعالى: ما لهم به من علم إلا اتباع الظن [ النساء: 57 ] وليس الظن من اتباع العلم بوجه، وأجمعت الأمة على أن الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شخص; لأن التوقيف لم يرد به.

                                                                                                                                                                                                                              وقد منعت ( المعتزلة ) من إطلاق الشخص عليه مع قولهم: إنه جسم واحد موضوع للاشتراك من الله تعالى ومن خلقه، وقد نص الله تعالى على تسمية نفسه فقال: قل هو الله أحد [ الإخلاص: 1 ] وقد سلف في باب الغيرة من كتاب النكاح معنى الغيرة من الله تعالى: أنها بمعنى الزجر عن الفواحش والتحريم لها ; لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه، وقد بين ذلك عقبه بقوله: "ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" والمعنى: أن سعدا زجر عن المحارم، وأنا أزجر منه عن الجميع، ومعنى الحديث: أن الأشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتها غيرة الله تعالى وإن لم يكن شخصا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي: قوله: "لا شخص أغير من الله". لم يأت متصلا ولم تتلق الأمة مثل هذه الأحاديث بالقبول، فإن صح فيحتمل أن الله أغير من خلقه، ليس أحد منهم أغير منه، ولم يسم نفسه شخصا، إنما أتى مرسلا، وهو يتوقى في الأحكام التي بالناس الضرورة إلى العمل بها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 278 ] وقال الخطابي: إطلاق الشخص في صفات الله غير جائزة لأن الشخص إنما يكون جسما مؤلفا، وخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفا من الراوي. ودليل ( ذلك ) أن أبا عوانة رواه عن عبد الملك، فذكر هذا الحرف، وروته أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - مرفوعا: "لا شيء أغير من الله"، ورواه أبو هريرة كذلك أيضا، فدل ذلك على أن الشخص وهم وتصحيف. فمن لم ينعم الاستماع لم يأمن الوهم، وليس كل الرواة يراعون لفظ الحديث حتى لا يتعدوه، بل كثير منهم يحدث على المعنى، وليس كلهم فقهاء، وفي كلام آحاد الرواة منهم جفاء، وتعجرف، وقال بعض كبار التابعين: نعم المرء ربنا لو أطعناه ما عصانا، ولفظ المرء إنما يطلق في الدين في المذكور من الآدميين فأرسل الكلام وبقي أن يكون لفظ الشخص جرى على هذا السبيل، إذ لم يكن غلظا من قبيل التصحيف. ثم إن عبيد الله انفرد به عن عبد الملك، لم يتابع عليه فاعتوره الفساد من هذه الوجوه، فدل على صحة ما قلناه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 279 ] وقال ابن فورك: لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند، فإن صح فشأنه في الحديث الآخر، وهو قوله: "لا أحد أغير من الله" فاستعمل لفظ الشخص موضع أحد كما سلف، والتقدير: أن الأشخاص الموصوفة بالغيرة لا تبلغ غيرتها، وإن تناهت غيرة الله، وإن لم يكن شخصا بوجه كما أسلفناه قال: وإنما منعنا من إطلاق لفظ الشخص لأمور:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: أن اللفظ ( لم ) يثبت من طريق السمع.

                                                                                                                                                                                                                              وثانيها: إجماع الأمة على المنع منه.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: أن معناه أن تكون أجساما مؤلفة على نوع من التركيب، وقد منعت المجسمة إطلاق الشخص مع قولهم بالجسم، فدل ذلك على ما قلناه من الإجماع على منعه في صفته تعالى.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ( "ما ظهر منها" ) قال مجاهد: هو نكاح الأمهات في الجاهلية. ( "وما بطن" ): الزنا، وقال قتادة: سرها وعلانيتها.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              المحبة من الله تعالى إرادته من عباده طاعته وتنزيهه والثناء عليه ; [ ص: 280 ] ليجازيهم بذلك، وقوله: ( "ولا أحد أحب إليه العذر من الله" ) معناه: ما ذكر في قوله تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات [ الشورى: 25 ] فالعذر في هذا الحديث التوبة والإنابة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية