الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1929 [ ص: 643 ] 7 - باب: الأخبية في المسجد

                                                                                                                                                                                                                              2034 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب، فقال: "آلبر تقولون بهن؟! ". ثم انصرف، فلم يعتكف، حتى اعتكف عشرا من شوال. [انظر: 2033 - مسلم: 1173 - فتح: 4 \ 277]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وفيه من الفقه: أن المعتكف يهيئ له مكانا فيه بحيث لا يضيق على المسلمين كما فعل الشارع ; إذ ضرب فيه خباء.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن المعتكف إذا أراد أن ينام في المسجد أن يتنحى عن الناس خوف أن يكون ما يؤذيهم من آفات البشر.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: إباحة ضرب الأخبية في المسجد للمعتكف .

                                                                                                                                                                                                                              قال مالك : وليعتكف في عجز المسجد ورحابه، فذلك الشأن فيه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (" آلبر تردن؟ ") : هو بهمزة الاستفهام ومده على وجه الإنكار، ونصبه "البر" على أنه مفعول "تردن" مقدما، وذكره في باب: الاعتكاف في شوال "آلبر؟ انزعوها فلا أراها" فنزعت ، وضبط الدمياطي "آلبر" بالرفع أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 644 ] قال ابن التين : كذا وقع في أكثر النسخ "فلا أراها" بالألف، وصوابه بحذفها: لأنه مجذوم بالنهي، وهو مثل: (أريتك هذا)، ويجوز إثبات الألف مثل: ألم يأتيك والأنباء تنمى. وقال الخطابي : "آلبر تقولون بهن" معناه: البر تظنون بهن. قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                              متى تقول القلص الرواسما يحملن أم قاسم وقاسما



                                                                                                                                                                                                                              أي: متى تظن القلص يلحقهما، ولذلك نصب القلص.

                                                                                                                                                                                                                              قال الفراء : تجعل ما بعد القول مرفوعا على الحكاية فتقول: عبد الله ذاهب. وقلت: إنك قائم. هذا في جميع القول إلا في (أتقول) وحدها في حروف الاستفهام، فإنهم ينزلونها منزلة الظن فيقولون: أتقول إنك خارج؟ ومتى تقول إن عبد الله منطلق؟ وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                              أما الرحيل فدون بعد غد فمتى تقول الدار تجمعنا



                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 645 ] بنصب (الدار) كأنه يقول: فمن يظن الدار تجمعنا، وأجاز سيبويه الرفع في قوله: الدار تجمعنا على الحكاية، وهو في معنى الإنكار عليهن، وقيل: إنما كرهه للتنافس فيضيق المسجد وقيل: خشية الافتراض فيعجزن، وأبعد من قال: لأنهن لم يعتكفن عن إذنه. فقد استأذنته عائشة وحفصة كما سلف ، وقيل: إنما أردن الحفوف به والمؤانسة لا البر.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: ( فيصلي الصبح ثم يدخله )، احتج به من يقول يبدأ بالاعتكاف من أول النهار. وبه قال الأوزاعي، والليث في أحد قوليه ، واختاره ابن المنذر، وذهبت الأربعة والنخعي إلى جواز دخوله قبل الغروب إذا أراد اعتكاف عشر أو شهر، وتأولوا أنه دخل المعتكف، وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح; لأن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف، بل كان قبل المغرب معتكفا لابثا في المسجد، فلما صلى الصبح انفرد. وقال الداودي : يحتمل أن يكون ذلك اليوم أو يكون دخل الاعتكاف أول الليل، ولم يدخل الخباء إلا بعد ذلك. وقال أبو ثور : إن أراد اعتكاف عشرة أيام دخل قبل الفجر، وإن أراد اعتكاف عشر ليال دخل قبل الغروب.

                                                                                                                                                                                                                              وهل يبيت ليلة الفطر في معتكفه ولا يخرج منه إلا إذا خرج لصلاة العيد فيصلي، وحينئذ يخرج إلى منزله، أو يجوز له أن يخرج عند الغروب من آخر يوم من شهر رمضان: قولان للعلماء:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 646 ] الأول: قول مالك، وأحمد وغيرهما، وسبقهم أبو قلابة وأبو مجلز، وحكاه مالك عن أهل الفضل، واختلف أصحاب مالك إذا لم يفعل هل يبطل اعتكافه أم لا؟ قولان. قال عبد الملك وابن سحنون : من دخل بعد الغروب أسقط ذلك اليوم، وقال القاضي أبو محمد : هذا على الاستحباب، وأما الواجب فهو أن يدخل في وقت يمكنه أن ينوي الصوم فيه، وهو قبل طلوع الفجر: لأن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم، وذهب الشافعي والليث والأوزاعي في آخرين إلى أنه يجوز خروجه ليلة الفطر ولا يلزمه شيء.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن عائشة كانت تلزم أموره ولا تضيعها في حال القسم حيث ضربت له الخباء.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: معرفة حفصة بحق عائشة، ومنافسة زينب في الخير، وهي التي كانت تسامي عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              خاتمة: حديثا الباب من رواية عمرة عن عائشة، وذكره ابن التين من رواية عمرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: هو مرسل، وإنما أدخله لاختلاف الرواية فيه: لأنها أسندته قبل هذا ، وفي بعض روايات أبي ذر : عن عمرة، عن عائشة . قلت: ولم نقف على غيره .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية