الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2778 [ ص: 27 ] 99 - باب: هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟

                                                                                                                                                                                                                              2936 - حدثنا إسحاق، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى قيصر، وقال: " فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين". [2940 - فتح: 6 \ 107]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى قيصر : "فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين".

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف، وإرشاد أهل الكتاب ودعاؤهم إلى الإسلام واجب على الإمام، وأما تعليمهم الكتاب فاستدل الكوفيون على جوازه بكتابه إليهم أنه من كتاب الله بالعربية، فعلمهم كيف حروف العربية؟ وكيف تأليفها؟ وكيف إيصال ما اتصل من الحروف وانقطاع ما انقطع منها؟ فهذا تعليم لهم؛ لأنهم لم يقرءوه حتى ترجم لهم، وفي الترجمة تعريب ما يوافق من حروفنا حروفهم وما يعبر عنه، ألا ترى أن في أسماء الطير في نظير أبيات الشعر تعليما للكتاب، فضلا عن الحروف التي هي بنغمتها تدل على أمثالها، وأسماء الطير لا يفهم منها نغمة وينفك منها الكلام، قاله المهلب .

                                                                                                                                                                                                                              وإلى هذا المعنى ذهب أبو حنيفة فقال: لا بأس بتعليم الحربي والذمي القرآن والعلم والفقه، رجاء أن يرغبوا في الإسلام، وهو أحد قولي الشافعي . وقال مالك : لا يعلمون الكتاب ولا القرآن، وهو قول [ ص: 28 ] الشافعي الآخر. وكره مالك إذا كان صيرفي يهودي أو نصراني أن يصرف منهم.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج الطحاوي لأصحابه بكتابه - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل بآية من القرآن، وبما رواه حماد بن سلمة عن حبيب المعلم، (قال): سألت الحسن : أعلم أهل الذمة القرآن؟ قال: نعم، أليس يقرءون التوراة والإنجيل وهو كتاب الله . واحتج الطحاوي بقول الله تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله [التوبة: 6] قالوا: وقد روى أسامة بن زيد أنه - صلى الله عليه وسلم - مر على مجلس فيه عبد الله بن أبي قبل أن يسلم، وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود، فقرأ عليهم القرآن .

                                                                                                                                                                                                                              وحجة مالك قوله تعالى: إنما المشركون نجس [التوبة: 28] وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو، وكره مالك أن يشترى من أهل الكفر فيعطوا دراهم فيها اسم الله، وقد سلف كلامه في الصيرفي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الطحاوي : يكره أن يعطى الكافر الدراهم فيها القرآن؛ لأنه لا يغتسل من الجنابة، فهو كالجنب يمس المصحف فيكره أن يعطاه، والدراهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن عليها قرآن وإنما ضربت في أيام عبد الملك. وقال غيره: في كتابه - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل آية من القرآن فيه جواز مباشرة الكفار صحائف القرآن إذا احتيج إلى ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 29 ] فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              الأريسيون: سلف الخلاف فيه هناك، ونقل ابن التين هنا عن القزاز أنه في كلام العرب الملوك، وذكر العلماء باللغة أنه فعيل مشدد الراء قال: وهو من الأضداد يكون للملك وللأجير، المعنى: فعليك إثم الملوك الذين يخالفون نبيهم. قال: وقال ابن فارس : الأراريس: الزراعون، وهي شامية، الواحد: إريس.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية