الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2882 3047 - حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا مطرف، أن عامرا حدثهم، عن أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: قلت لعلي - رضي الله عنه - : هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر. [انظر: 111 - مسلم: 1370 - فتح: 6 \ 167]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فكوا العاني - يعني: الأسير - وأطعموا الجائع، وعودوا المريض".

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي جحيفة: قلت لعلي - رضي الله عنه - : هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث من أفراده، وقد سلف في كتاب العلم، ويأتي في الديات أيضا، وفكاك الأسير فرض كفاية لهذا الحديث وعلى هذا كافة العلماء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 274 ] وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: فكاك كل أسير من أسرى المسلمين من بيت المال. وبه قال إسحاق، وروي عن ابن الزبير أنه سأل الحسن بن علي عن فكاك الأسير قال: على أهل الأرض التي يقاتل عليها. وروى أشهب وابن نافع، عن مالك أنه سئل: أواجب على المسلمين افتداء من أسر منهم؟ قال: نعم، أليس واجبا عليهم أن يقاتلوا حتى يستنقذوهم، فكيف لا يفدونهم بأموالهم؟

                                                                                                                                                                                                                              وعن أحمد: يفادون بالرءوس، وأما بالمال فلا أعرفه.

                                                                                                                                                                                                                              والحديث وهو: ("فكوا العاني") عموم في كل ما يفادى به، فلا معنى لقول أحمد، وقد قال عمر بن عبد العزيز: إذا (خرج) الذمي بالأسير من المسلمين فلا يحل للمسلمين أن يردوه إلى الكفر ليفادوه بما استطاعوا. قال تعالى: وإن يأتوكم أسارى تفادوهم [البقرة: 85].

                                                                                                                                                                                                                              وإطعام الجائع فرض على الكفاية أيضا، ألا ترى لو أن رجلا يموت جوعا وعندك ما تجيبه به، بحيث لا يكون في ذلك الموضع أحد غيرك فقد تعين الفرض عليك في إحياء نفسه وإمساك رمقه، فإذا ارتفعت حال الضرورة كان ذلك ندبا، وسيأتي شيء منه في الأطعمة إن شاء الله.

                                                                                                                                                                                                                              وعيادة المريض سنة متأكدة، ويحتمل كما قال ابن بطال أن يكون فرض كفاية أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 275 ] وأما يمين علي أن ما عنده إلا كتاب الله أو فهما يعطيه الله رجلا، ففيه دلالة على صحة قول مالك: ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور وفهم يضعه الله في قلب من يشاء. فمن أنكر هذا على مالك فلينكره على علي.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن كتاب الله أصل العلم، وأن الفهم عنه وعن الحديث المبين له.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة). هو من أيمان العرب. قال أبو عبيدة: (فلق الحب): شقها في الأرض حتى تنبت ثم أثمرت، فكان منها حب كثير، وكل شيء شققته باثنين فقد فلقته. ومنه قوله تعالى: فالق الحب والنوى [الأنعام: 95] و (النسمة): كل ذات نفس فهي نسمة، سميت بذلك لتنسمها الهواء، وبرأ الله الخلق: برأ خلقهم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية