الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4981 5285 - حدثنا قتيبة، حدثنا ليث، عن نافع، أن ابن عمر كان إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله. [فتح: 9 \ 416].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا قتيبة، ثنا الليث، عن نافع، أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين، ولا أعلم من الإشراك شيئا أكبر من أن تقول المرأة ربها عيسى، وهو عبد من عباد الله.

                                                                                                                                                                                                                              هذا من أفراده، وحمله ابن المرابط على التنزيه عن نساء أهل الكتاب، للتشابه الذي بينهن وبين الكفار من غير أهل الكتاب، لا على أن ذلك حرام; لأن الإجماع وقع على إباحة نكاح الكتابيات لقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب [المائدة: 5].

                                                                                                                                                                                                                              ولا جائز أن يقول: أراد بالمحصنات هنا اللواتي أسلمن من أهل الكتاب لأنهن مؤمنات، وقد تقدم ذكر المؤمنات قبله، فلا معنى لذكره ذلك بعد، فوجب استعمال النص في نساء أهل الكتاب مع ما استمر على عمل الصحابة في زمنه إلى يومنا هذا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال القاضي إسماعيل: إنما كان ذلك إكراما للكتاب الذي بأيديهم، وإن كانوا حرفوا بعضه وبدلوه، بخلاف عبدة الأوثان، وهو قول مالك، قال: الحرمة توصل كل كافر وثنيا كان أو غير وثني.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 343 ] والذي ذهب إليه جمهور العلماء أن الله تعالى حرم نكاح المشركات بالآية المذكورة، ثم استثنى نكاح نساء أهل الكتاب فأحلهن في سورة المائدة بقوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [المائدة: 5] وبقي سائر المشركات على أصل التحريم.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد: روي هذا القول عن ابن عباس، وبه جاءت الآثار عن الصحابة والتابعين وأهل العلم بعدهم أن نكاح الكتابيات حلال، وبه قال مالك والأوزاعي والثوري والكوفيون والشافعي وعامة العلماء. وقال غيره: ولا يروى خلاف ذلك إلا عن ابن عمر فإنه شذ عن جماعة الصحابة والتابعين، ولم يجز نكاح اليهودية والنصرانية. وخالف ظاهر قوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [المائدة: 5]، ولم يلتفت أحد من العلماء إلى قوله .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد: والمسلمون اليوم على الرخصة في نساء أهل الكتاب. ويرون أن التحليل ناسخ للتحريم، ونقله ابن التين عن مالك وأكثر العلماء.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن المنذر: لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: المشركات هنا: عبدة الأوثان والمجوس.

                                                                                                                                                                                                                              وقد تزوج عثمان - رضي الله عنه - نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية، تزوجها على نسائه. وتزوج طلحة بن عبيد الله يهودية ، وتزوج حذيفة يهودية وعنده حرتان مسلمتان، وعنه: إباحة نكاح المجوسية، وتأول قوله تعالى: ولأمة مؤمنة خير من مشركة [البقرة:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 344 ] 221] على أن هذا ليس بلفظ التحريم. وقيل: بناء على أن لهم كتابا.

                                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يأمر بالتنزه عنهن. قال أبو عبيد: حدثنا محمد بن يزيد عن الصلت بن بهرام.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن الصلت، عن شقيق بن سلمة قال: تزوج حذيفة يهودية. ومن طريق أخرى: وعنده عربيتان ، فكتب إليه عمر أن خل سبيلها، فقال: أحرام؟ فكتب إليه عمر: لا، ولكن أخاف أن تواقعوا المومسات منهن. يعني: الزواني .

                                                                                                                                                                                                                              فنرى أن عمر ذهب إلى قوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب [المائدة: 5] فيقول: إن الله تعالى إنما شرط العفائف منهن، وهذه لا يؤمن أن تكون غير عفيفة.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي شيبة: وحدثنا أبو خالد الأحمر، عن عبد الملك قال: سألت عطاء عن نكاح اليهوديات والنصرانيات؟ فكرهه وقال: كان ذاك والمسلمات قليل. وعن جابر قال: شهدنا القادسية مع سعد بن أبي وقاص، ولا نجد سبيلا إلى المسلمات، فتزوجنا اليهوديات والنصرانيات، فمنا من طلق ومنا من أمسك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد: والذي عليه جماعة الفقهاء في قوله: ولا تنكحوا المشركات [البقرة: 221] أن المراد الوثنيات والمجوسيات، وأنه لم ينسخ تحريمهن كتاب ولا سنة. وشذ أبو ثور عن الجماعة فأجاز مناكحة المجوس، وأكل ذبائحهم ، وهو محجوج بالجماعة والتنزيل.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 345 ] وروى ابن أبي شيبة، عن عبد الوهاب الثقفي، عن مثنى، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس أن يشتري الرجل المسلم الجارية المجوسية فيتسراها. وحدثنا عبيد الله بن موسى، عن مثنى قال: كان عطاء وطاوس وعمرو بن دينار لا يرون بأسا أن يتسرى الرجل بالمجوسية .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد: وروي عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: لا يحل مناكحة أهل الكتاب إذا كانوا حربا، وتلا قوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية [التوبة: 29] وبه قال الثوري .

                                                                                                                                                                                                                              واتفق مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي: أن نكاح الحربيات في دار الحرب حلال، إلا أنهم كرهوا ذلك من أجل أن المقام له ولذريته في دار الحرب حرام عليه; لئلا يجري عليه وعلى ولده (حكم) أهل الشرك .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في نكاح إماء أهل الكتاب: فمنعه مالك والأوزاعي والليث والشافعي; لقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب [المائدة: 5].

                                                                                                                                                                                                                              قال: فهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات وقال: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [النساء: 25].

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 346 ] قال مالك: إنما أحل نكاح الإماء المؤمنات دون نكاح إماء أهل الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا بأس بنكاح إماء أهل الكتاب; لأن الله تعالى قد أحل الحرائر منهن والإماء تبع لهن ، وهو قول أبي ميسرة، فيما حكاه ابن المنذر ، والحجة عليهم نص التنزيل (السالف) .

                                                                                                                                                                                                                              وأجمع أئمة الفتوى أنه لا يجوز وطء أمة مجوسية بملك اليمين، وأجاز ذلك طائفة من التابعين وقالوا: لأن سبي أوطاس وطئن ولم يسلمن ، وقد سلف رد هذا في الجهاد.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية