الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19 [ ص: 98 ] [ 21 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن ابن قسيط، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أمه، عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن (يستمتع) بجلود الميتة إذا دبغت.

التالي السابق


الشرح

ابن شهاب: هو الزهري وتقدم ذكره.

وعبيد الله: هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله حليف بني زهرة، أحد الفقهاء السبعة.

سمع: ابن عباس، وزيد بن خالد، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة، وعائشة.

وروى عنه: الزهري، وصالح بن كيسان، وأبو الزناد، وغيرهم.

وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: لو كان عبيد الله حيا ما صدرت إلا عن رأيه.

مات سنة ثمان وتسعين.

وزيد بن أسلم: هو أبو أسامة العدوي مولى عمر بن الخطاب.

سمع: ابن عمر، وأباه أسلم، وعطاء بن يسار، وعياض بن عبد الله [ ص: 99 ]

وروى عنه: مالك، والثوري، وحفص بن ميسرة، والدراوردي، وابن عيينة.

وكان يجلس إليه علي بن الحسين، فقيل له: تتخطى مجالس قومك إلى عبد عمر بن الخطاب؟ !

فقال: "إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه".

مات سنة ست وثلاثين ومائة.

وابن وعلة هو عبد الرحمن بن وعلة [النسائي] المصري.

سمع: ابن عباس.

وروى عنه: أبو الخير مرثد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، و [يعمر]، وزيد بن أسلم.

وابن قسيط: هو يزيد بن عبد الله بن قسيط بن أسامة بن عمير، أبو عبد الله الليثي المديني الأعرج.

سمع: ابن عمر، وأبا هريرة، وعطاء بن يسار، وعروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب.

وروى عنه: ابن أبي ذئب، ومالك، وابن عجلان، وحميد بن زياد، وغيرهم [ ص: 100 ]

ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان القرشي المديني، مولى بني عامر بن لؤي.

سمع: ابن عمر، وأبا سعيد.

وروى عنه: الزهري، ويزيد بن قسيط، وغيرهما.

وأمه من النسوة اللواتي يروين عن عائشة رضي الله عنها.

والحديث الذي رواه مالك أخرجه البخاري ومسلم من طريق صالح بن كيسان، ويونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري.

والثاني الذي رواه سفيان بن عيينة، عن الزهري، والثالث الذي رواه عن زيد بن أسلم: أخرجهما مسلم من حديثه.

والأخير الذي رواه مالك عن ابن قسيط: أخرجه أبو داود السجستاني في كتاب اللباس من "السنن" عن القعنبي، عن مالك.

وفي الباب عن ميمونة، وأم سلمة، وابن عمر، وزيد بن ثابت - رضي الله عنه -.

وجمع الإهاب: أهب وأهب، ويقال: طهر يطهر وطهر يطهر طهارة فيهما [ ص: 101 ]

وقوله: "قد كان أعطاها مولاة لميمونة" يذكر أنه كان أعطاها من الصدقة، وفي بعض الروايات: أن ميمونة ماتت شاة لها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا استمتعتم بإهابها".

ويمكن أن تكون القصة واحدة، لكن مولاتها كانت عندها ومن خدمها، فتارة نسبت الشاة إليها وتارة إلى ميمونة.

وروي أن أم سلمة كانت لها شاة تحلبها فقدها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما فعلت الشاة؟ فقالوا: ماتت.

قال: "(أفلا) انتفعتم بإهابها".


وهذا بتقدير الصحة يشعر بأن القصة غير الأولى، لكن قيل: إنه تفرد به الفرج بن فضالة وضعفوه، واحتج بالحديث الأول من نفى الحاجة إلى الدباغ، فإنه قال: "فهلا انتفعتم بجلدها" وأطلق الجمهور حمله على الانتفاع بتوسط الدباغ؛ بدليل قوله: "فدبغوه فانتفعوا به".

وقوله: "إذا دبغت"، وقولهم: "إنها ميتة" يحتمل أن يكون صدور هذا القول منهم مع علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها ميتة وغرضهم أن يستثبتوا ويتحققوا جواز الانتفاع وإن كانت ميتة، ويجوز أن لا يكون عالما بأنها ميتة وغرضهم تمهيد العذر في ترك الانتفاع؛ لاعتقادهم بأن الميتة تهجر من كل وجه ولا ينتفع بها [ ص: 102 ]

وقوله: "إنما حرم أكلها" قصد به بيان أنه لم يحرم منها كل انتفاع وإنما حرم الأكل، وقد يحتج به على أنه يجوز إطعام الجوارح منها، وعلى أنه يحرم أكل جلدها وإن طهر بالدباغ.

وقوله في الحديث الثاني: "ما على أهل هذه"، قد يقرأ على الاستفهام والتعجب، وقد يجعل نفيا أي: ما عليهم من بأس وحرج لو أخذوا إهابها فدبغوه.

وقوله: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" قد يحتج به على نجاسة الجلد قبل الدباغ، وعلى أنه يطهر بالدباغ ظاهر الجلد وباطنه، وعلى أنه لا حاجة إلى غسله بالماء بعد الدباغ.

وقد يحتج به من يقول بطهارة جلد الكلب، وأجيب عنه بأن النضر بن شميل قال: لا يقال إهاب إلا لجلد ما يؤكل لحمه.

وبتقدير أن يقع الإهاب على كل جلد فجلد الخنزير مخصص عنه فقيس عليه جلد الكلب؛ لأن كلا منهما نجس في الحياة.

وقوله: "أمر أن يستمتع بجلود الميتة" يعني: أمر إرشاد وإباحة، لا إيجاب وانتداب، وهذه الأحاديث أصل القول بالدباغ، وما روي عن عبد الله بن عكيم؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى جهينة قبل موته بشهر أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. فقد قيل: في إسناده [ ص: 103 ] إرسال، ثم حمل على ما قبل الدباغ جمعا بين الأخبار.

ومن الأحاديث في الدباغ ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "طهور كل أديم دباغه" وفي هذا الحديث دليل على أن الطهور: المطهر.

وفي الأحاديث المذكورة إرشاد إلى استصلاح ما فيه منفعة وإلى صونه عن الضياع، وفيها دلالة على جواز مخامرة الشيء النجس لغرض الاستصلاح والرد إلى الطهارة، وعلى جواز مخامرة الشيء النجس لتخليص ما يعود إلى الطهارة منه فإن أخذ الإهاب من الميتة لا يخلو عنها، والله أعلم.

آخر الجزء ويتلوه في الذي يليه:

الأصل

أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن نافع، والحديث الذي يشرب في آنية الفضة.

الحمد لله حق حمده




الخدمات العلمية