الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1496 الأصل

[ 1817 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " "من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة" . .

التالي السابق


الشرح

معنى الحديث ثابت صحيح؛ روى البخاري عن عبد الله بن محمد، ومسلم عن عمرو الناقد، بروايتهما عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: أراه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، رجل حلف على يمين على مال مسلم فاقتطعه، ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر أنه أعطي بسلعته أكثر مما أعطى وهو كاذب، ورجل منع فضل ماء، فإن الله تعالى يقول: اليوم أمنعك فضلي، كما منعت فضل ما لم تعمل يداك".

ولكن اللفظ المسوق في الكتاب لم يثبته أئمة الحديث بالإسناد المذكور فيه، بل قالوا : الصحيح بالإسناد المذكور: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ". وكذلك رواه البخاري في "الصحيح" عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك؛ [ ص: 326 ] وروى مسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، وروى البخاري عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ".

قالوا : وإنما يروى اللفظ المسوق في الكتاب من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن رواية الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه ضعيف.

قال الحافظ أبو بكر البيهقي: وقد رواه الزعفراني في القديم، والمزني وحرملة عن الشافعي على الصحة، والربيع نقل ما رواه عن كتاب إحياء الموات ولم يقرأ ذلك الكتاب على الشافعي ولا سمع منه وكأن الكاتب غلط، ولو قرئ عليه لغيره.

والله أعلم .

ومعنى الحديث أن الماشية إنما ترعى بقرب الماء، فإذا منع الماء وليس هناك ماء آخر فقد منع من الكلأ وحازه لنفسه، وفوته على الناس.

واعلم أن المياه أنواع:

أحدها: المياه المباحة، كالأودية العظيمة، والعيون في الجبال، [ ص: 327 ] وسيول الأمطار؛ فالناس فيها سواء، فإن قل بعضها أو ضاق المشرع فالسابق أولى، فإن تساويا حكمت القرعة ويقدم من أراده للشرب على من أراده لسقي الأرض.

والثاني: المياه المحرزة في الأواني المأخوذة من الأودية المباحة وهي مملوكة لمحرزها ليس لغيره أن يزاحمه فيها.

والثالث: ماء البئر المحفورة في الموات للارتفاق، وصاحب البئر أولى به إلى أن يرتحل، وليس له منع ما فضل عمن يأخذه للشرب، ولا منع مواشيه، وله المنع من سقي الزرع به.

والرابع: ماء البئر المحفورة في الملك أو في الموات للتملك، وهو مملوك على أظهر الوجهين، وسواء قلنا أنه مملوك أو غير مملوك فلا يجب بذل ما فضل عن حاجته لزرع الغير خلافا لأحمد، ووافقه بعض أصحابنا، والظاهر أنه يجب بذله للماشية، ومنهم من لم يوجبه وحمل الحديث على الاستحباب أو على ماء بئر الارتفاق، وإذا قلنا بالوجوب فهل له أن يأخذ عليه عوضا؟

فيه وجهان:

أصحهما: المنع؛ لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم – "نهى عن بيع فضل الماء" .




الخدمات العلمية