الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
465 [ 312 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات، وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مسيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه.

قال أبو هريرة: قال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة.

فقلت له: وكيف تكون آخر ساعة وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك ساعة لا يصلى فيها؟!

فقال ابن سلام: ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي؟ [ ص: 8 ] .

قلت: بلى.

قال: فهو ذلك .

التالي السابق


الشرح

عبد الله بن سلام بن الحارث: من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، أبو يوسف، كان من أحبار اليهود، ويذكر أنه كان اسمه الحصين، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أسلم عبد الله، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهد له بالجنة.

روى عنه: قيس بن عباد، وخرشة بن الحر، وغيرهما.

توفي في سنة ثلاث وأربعين بالمدينة .

والحديث الأول صحيح أخرجه البخاري عن القعنبي، ومسلم عن قتيبة بروايتهما عن مالك، والحديث الثاني: صحيح أيضا مودع في الموطأ مع زيادات.

وقوله: وهي مسيخة: أي: مستمعة مصغية، والإساخة والإصاخة بمعنى واحد.

وقوله: شفقا من الساعة أي: خوفا كأنها أعلمت أنها تقوم يوم الجمعة، فتخاف هي قيامها كل جمعة.

وقوله: حتى تطلع الشمس يدل على أنها إذا طلعت عرفت الدواب أنه ليس بذلك اليوم.

وقوله: لا يصادفها أي: لا يجدها ولا يوافيها، وهو كقوله في [ ص: 9 ] الحديث الأول: "لا يوافقها" في الحديث الأول.

وقوله: وأشار بيده يقللها أي: يبين لهم ويعلمهم أن تلك الساعة خفيفة، وقد جاء في بعض الروايات يزهدها واختلفوا في ساعة الإجابة : فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أنها حين ترتفع الشمس بقدر شبر إلى ذراع، وعن عائشة أنها عند أذان المؤذن، وعن أبي أمامة أنها ترجى إذا أذن المؤذن، أو إذا جلس الإمام على المنبر أو عند الإقامة.

ويروى عن عمرو بن عوف; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عنها فقال: هي حين تقام الصلاة الأولى إلى الانصراف عنها .

قال الراوي: يعني صلاة الجمعة، وقال جماعة: هي بعد العصر؟.

ويروى عن أنس; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس .

وقيد بعضهم بالساعة الأخيرة وبهذا قال عبد الله بن سلام وغيره من الصحابة، واعترض أبو هريرة عليه بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلى فيها، وأجاب عبد الله بن سلام بتنزيله على انتظار الصلاة، لما ورد أن المنتظر للصلاة في [ ص: 10 ] الصلاة، ويدل على هذا القول ما روي عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة آخر ساعة من يوم الجمعة .

وعن أبي هريرة أنه قال: التمسوا الساعة التي ترجى يوم الجمعة فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وما بين أن ينزل الإمام إلى أن يكبر، وما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس .



الخدمات العلمية