الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
697 [ 400 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أخبرني الثقة من أهل العلم، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -لا أدري أدخل ابن عمر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر في حديث سفيان بن حسين أم لا- في صدقة الإبل مثل هذا المعنى لا يخالفه ولا أعلمه، بل لا شك إن شاء الله إلا حدث بجميع الحديث في صدقة الغنم والخلطاء والرقة هكذا، إلا أني لا أحفظ إلا الإبل في حديثه .

التالي السابق


الشرح

أنس: هو ابن عياض بن عبد الرحمن أبو ضمرة الليثي المدني.

سمع: هشام بن عروة، وشريك بن عبد الله، وموسى بن عقبة، [ ص: 103 ] وعبيد الله بن عمر وغيرهم.

وروى عنه: محمد بن إسحاق المسيبي، وعلي بن خشرم، ويحيى بن يحيى، والإمام الشافعي.

ولد سنة أربع ومائة ومات سنة مائتين وقيل: سنة ثمانين ومائة .

وسفيان بن حسين: هو السلمي الواسطي.

روى عن: الزهري، وابن المنكدر.

وسمع منه: يزيد بن هارون، ومحمد بن يزيد الواسطي .

وقول ابن عمر أولا: "هذا كتاب الصدقات" وآخرا: "هذه نسخة كتاب عمر بن الخطاب" يعني كتاب رسول الله المحفوظ عند عمر -رضي الله عنه- وآله على ما سيبين.

وحديث سفيان بن حسين قد أخرجه أبو داود في السنن عن عبد الله بن محمد النفيلي عن عباد بن العوام عن سفيان، والترمذي عن زياد بن أيوب البغدادي وغيره عن عباد عن سفيان بإسناده عن ابن عمر قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض فقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر -رضي الله عنه- حتى قبض ثم عمل به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى قبض وكان فيه: في خمس من الإبل شاة ... وذكر معنى الحديث.

[ ص: 104 ] ورواه أيضا أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن يزيد الواسطي عن سفيان بإسناده ومعناه.

وروى الحديث عن الزهري سليمان بن كثير كذلك ثم قال الزهري: أقرأني سالم كتابا كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتوفاه الله -عز وجل- في الصدقة. ورواه ابن ماجه عن بكر بن خلف، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سليمان.

وعن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إلى المدينة يلتمس كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقات وكتاب عمر -رضي الله عنه-، فوجد عند آل عمرو بن حزم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمرو في الصدقات، وعند آل عمر - رضي الله عنه - في الصدقات مثل كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنسخ .

واحتج الشافعي بقوله في سائمة الغنم إذا كانت أربعين على أنه لا زكاة في المعلوفة للتقييد بالسائمة.

وقوله بعد الثلاثمائة: فما زاد ففي كل مائة شاة يعني بعد مجاوزة الثلاثمائة في كل مائة شاة فلا يجب بعد الثلاث شيء حتى تبلغ أربعمائة خلافا لقول بعضهم: أنه إذا زادت على ثلاثمائة واحدة وجبت أربع شياه.

وقوله: ولا يخرج في الصدقة هرمة يعني التي أزرى بها الكبر وعيبها.

وقوله: ولا ذات عوار العوار بضم العين وفتحها: النقص [ ص: 105 ] والعيب، ولا تؤخذ في الزكاة معيبة إذا كانت ماشيته سليمة أو كانت فيها سليمة.

وقوله: "ولا تيس" هو فحل العنز.

وقوله: إلا ما شاء المصدق" ذكرنا في الفصل السابق أن المصدق بتخفيف الصاد: الساعي الذي يأخذ الصدقة، وأن المصدق بتشديد الصاد والدال: المتصدق، هذا هو المشهور، وذكر بعضهم أن المعطي يسمى مصدقا أيضا بتخفيف الصاد وأن طالب الصدقة يسمى مصدقا.

إذا عرف ذلك فإن الحافظ أبا موسى رحمه الله [قال]: إن اللفظة في الحديث المصدق بتشديد الصاد، والمعنى: إلا أن يشاء المعطي، وأن الاستثناء يرجع إلى التيس وحده; فأما الهرمة وذات العوار فلا يجوزان أصلا، وكأن من قال أنه ظن أن الفحل إنما لا يؤخذ; لحاجة القطيع إليه وانقطاع رزق المالك بأخذه، كما لا يؤخذ خيار المال إلا إذا رضي المالك، لكن المشهور من الرواية تخفيف الصاد، وامتناع أخذ الفحل ليس لذلك لكن الذكر لا يؤخذ في الزكاة إذا كانت في الماشية أنثى إلا ابن لبون يؤخذ بدلا عن بنت المخاض، وإلا التبيع في البقر فلا أثر لرضا المالك.

واحتج الشيخ الحسين في شرح السنة بقوله: إلا ما شاء المصدق على أن له الاجتهاد ليأخذ ما هو أنفع للمساكين; لأنه نائب عنهم، وذكر غيره مثله.

وهذا قول ثان: للساعي أخذ الهرمة والمعيبة إذا رأى فيه نظرا.

وقوله: لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة [ ص: 106 ] يدل على أن للاجتماع والاختلاط أثرا في الصدقة، وأنه يجعل مال الرجلين كمال الرجل الواحد حتى إذا خلط رجلان أربعين بأربعين لم يلزمهما إلا شاة، ولولا الاختلاط كان على كل واحد منهما شاة، ولو خلطا عشرين بعشرين فعليهما شاة، ولولا الاختلاط لما لزمهما شيء فتؤثر الخلطة تارة في التخفيف وأخرى في التغليظ، ونهي رب المال عن الجمع والتفريق بعد ما وجبت الصدقة قصدا إلى التقليل، ونهي الساعي عنهما طلبا للتكثير.

وقوله: وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية يعني أن ما أخذه الساعي من مال أحدهما عن واجب المالين يكون للمأخوذ منه الرجوع على صاحبه بحصته حتى يتساويا، وهذا في خلطة الجوار; فأما في خلطة الشركة كما إذا ورثا أو اشتريا النصاب معا فما يأخذه الساعي يكون بينهما، نعم قد يكون الواجب من غير الجنس فيأخذه من أحدهما كشاة من خمس من الإبل مشتركة بينهما، فيكون الرجوع على ما ذكرنا.

وقوله: "وفي الرقة ربع العشر" الرقة: الفضة مسكوكة كانت أو غير مسكوكة وكذلك الورق، وقيل: الورق المسكوك خاصة، والرقة تقع على النوعين.

وقوله: "إذا بلغت رقة أحدهم خمس أواق" الأواقي: جمع أوقية تخفف تارة وتشدد، وتصرف تارة ولا تصرف أخرى كأضحية وأضاح وأضاحي، وقد يقال للأوقية: وقية، وهي على ما ورد في الخبر أربعون درهما، وجملة الخمس مائتا درهم وعن الخليل أن الأوقية سبعة مثاقيل ونصف، وحمل ذلك على اختلاف البلدان كما يختلف في المن وسائر المقادير.

[ ص: 107 ] وقوله في رواية سفيان بن حسين: "لا أدري أدخل ابن عمر بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر أم لا" شك كان للشافعي ولا دخول لعمر -رضي الله عنه- في الإسناد كما بينا في رواية الأئمة.




الخدمات العلمية