الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1470 ص: وكان أحد من روى ذلك عنه أيضا البراء بن عازب، فروى عنه: "أن النبي - عليه السلام - كان يقنت في الفجر والمغرب، ولم يخبر بقنوته ذلك ما هو، فقد يجوز أن [ ص: 345 ] يكون ذلك هو القنوت الذي رواه ابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهم -، ومن روى ذلك معهما، ثم نسخ ذلك بهذه الآية أيضا، وقد قرن في هذا الحديث بين المغرب والفجر، فذكر أن رسول الله - عليه السلام - كان يقنت فيهما، ففي إجماع مخالفنا لنا على أن ما كان يفعله في المغرب من ذلك منسوخا ليس لأحد بعده أن يفعله دليل على أن ما كان يفعله في الفجر أيضا كذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي كان أحد من روى القنوت في الصبح أيضا عن النبي - عليه السلام -: البراء بن عازب، هذا جواب عن حديثه.

                                                بيان ذلك أنه منسوخ أيضا; لأن البراء أخبر في حديثه أنه - عليه السلام - كان يقنت في صلاة الفجر وصلاة المغرب، ولكن لم يبين ما كان قنوته، ولماذا كان؟ فيحتمل أن يكون ذلك هو القنوت الذي رواه عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهم - ومن روى ذلك معهما -أي مع عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر- مثل أبي هريرة وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -; فيكون منسوخا بما نسخ به حديثهما وهو قوله تعالى: ليس لك من الأمر شيء الآية.

                                                قوله: "وقد قرن في هذا الحديث بين المغرب و[الفجر] ... " إلى آخره جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال: سلمنا ما ذكرتم من النسخ إذا كان المراد من القنوت في حديث البراء هو القنوت في حديثي عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهم -، وأما إذا كان المراد غير ذلك القنوت، فلا نسلم نسخه في صلاة الصبح.

                                                وتقرير الجواب: أن الخصم أجمع معنا على أن قنوته - عليه السلام - في صلاة المغرب انتسخ، حتى لا يجوز لأحد أن يفعله بعد النبي - عليه السلام -، فهذا دليل على أن قنوته - عليه السلام - في صلاة الصبح أيضا منسوخ، وإلا فيلزم التحكم والترجيح بلا مرجع وهو باطل.

                                                [ ص: 346 ] وأيضا فإنه قد روي عن البراء: "أن النبي - عليه السلام - كان لا يصلي صلاة إلا قنت فيها".

                                                رواه ابن حزم وقال: ثنا حمام بن أحمد، ثنا عباس بن أصبغ، نا محمد بن عبد الملك بن أيمن، ثنا أبو عبد الله الكابلي، نا إبراهيم بن موسى الرازي، ثنا محمد بن أنس ، عن أبي الجهم ، عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -.

                                                فهذا منسوخ بإجماع الخصم حتى لا يجوز أن يقنت أحد في الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء، فيكون حكم الصبح كذلك وإلا يلزم التحكم كما ذكرنا.

                                                قوله: "دليل" مبتدأ وخبره قوله: "ففي إجماع مخالفنا لنا"، وأراد من هذا المخالف: من يرى بالقنوت في الصبح.

                                                قوله: "منسوخا" نصب على أنه خبر كان.

                                                وقوله: "ليس لأحد بعده أن يفعله" صفة لقوله: "منسوخا" أي بعد النبي - عليه السلام -.




                                                الخدمات العلمية