الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1471 ص: فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون هذا هكذا وقد كان أبو هريرة بعد النبي - عليه السلام - يقنت في الصبح؟ فذكر ما قد حدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف (ح).

                                                1472 1473 وما قد حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قالا: ثنا بكر بن مضر ، عن جعفر بن ربيعة ، عن الأعرج قال: "كان أبو هريرة يقنت في صلاة الصبح". قال: فدل ذلك على أن المنسوخ عند أبي هريرة إنما هو الدعاء على من دعا عليه النبي - عليه السلام - فأما القنوت الذي كان مع ذلك فلا.

                                                قيل له: إن يونس بن يزيد قد روى عن الزهري في حديث القنوت الذي ذكرناه في أول هذا الباب ما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ... فذكر ذلك الحديث بطوله، ثم قال فيه: "قال: ثم بلغنا أنه ترك ذلك حين أنزل عليه: ليس لك من الأمر شيء الآية، فصار ذكر نزول هذه الآية الذي كان به النسخ من كلام الزهري، لا مما رواه عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة، فقد يحتمل أن يكون نزول هذه الآية لم يكن أبو هريرة علمه، فكان يعمل على ما علم من فعل رسول الله - عليه السلام - وقنوته إلى أن مات; لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك، وعلم عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهم - أن نزول هذه الآية كان ناسخا لما كان النبي - عليه السلام - يفعل، فانتهيا إلى ذلك، وتركا به المنسوخ المتقدم".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا سؤال من جهة الخصم، تقريره أن يقال: لا نسلم أن المنسوخ على الكيفية التي ذكرتم; لأن أبا هريرة قد قنت في صلاة الصبح بعد النبي - عليه السلام -، ولو كان النسخ على نحو ما ذكرتم لما ساغ لأبي هريرة أن يقنت بعده - عليه السلام - مع علمه بالمنسوخ، بل إنما كان المنسوخ عند أبي هريرة هو الدعاء على من كان - عليه السلام - يدعو [ ص: 358 ] عليه، فأما القنوت الذي كان مع ذلك فلم ينسخ ولم يرتفع حكمه، فلهذا قنت أبو هريرة بعده.

                                                ثم إنه أخرج أثر أبي هريرة الذي فيه أمر قنوته من وجهين صحيحين:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن يوسف التنيسي المصري شيخ البخاري ، عن بكر بن مضر بن محمد المصري مولى ربيعة بن شرحبيل ابن حسنة الكندي ، عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل المصري ، عن عبد الرحمن الأعرج .

                                                وأخرجه عبد الرزاق : عن عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "أنه كان يقنت في صلاة الصبح".

                                                الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني أيضا، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي أبي زكرياء المصري ، عن بكر بن مضر ... إلى آخره.

                                                وتقرير الجواب: أن يقال: إن يونس بن يزيد الأيلي قد روى عن محمد بن مسلم الزهري في حديث القنوت الذي ذكر في أول الباب، وفيه: "ثم بلغنا أنه ترك ذلك حين أنزل عليه ليس لك من الأمر شيء الآية، فدل ذلك على النسخ، ولكن ذكر نزول هذه الآية الذي حصل به النسخ، من كلام الزهري لا مما رواه عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة، فإذا كان كذلك، فقد يحتمل أن يكون نزول هذه الآية لم يقف عليه أبو هريرة ولا أحاط به علمه، فلذلك عمل بما كان علمه من فعل النبي - عليه السلام - وقنوته إلى أن مات; وذلك لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك، فإذا لم تثبت فكيف يترك ما قد علمه من النبي - عليه السلام -؟.

                                                [ ص: 359 ] ألا ترى أن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهم -، لما علما بنزول الآية، وعلما أنه ناسخ للذي كان النبي - عليه السلام - يفعله انتهيا إلى ذلك، وتركا ما قد علماه من فعل النبي - عليه السلام - المتقدم المنسوخ.

                                                واعلم أن الطحاوي أخرج حديث الزهري هذا فيما سبق في موضعين.

                                                الأول: في أواخر باب: الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، فقال: ثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة ، عن أبي هريرة أنهما سمعاه يقول: "كان رسول الله - عليه السلام - حين يفرغ في صلاة الفجر من القراءة يكبر ويرفع رأسه من الركوع، يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد ... " الحديث.

                                                الثاني: في أول هذا الباب بهذا الإسناد بعينه، وزاد فيه: "وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين ... " الحديث، ولم يذكر في الموضعين قول الزهري: "ثم بلغنا أنه ترك ذلك حين أنزل عليه: ليس لك من الأمر شيء الآية".

                                                وإنما ذكره ها هنا ، ولكن الجميع بإسناد واحد، وقطعه للتبويب.

                                                وأخرجه مسلم وقال: حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى، قالا: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أنهما سمعا أبا هريرة يقول: "كان رسول الله - عليه السلام - يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه ترك ذلك [ ص: 360 ] لما أنزل الله: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون




                                                الخدمات العلمية