الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1499 1500 1501 1502 1503 1504 [ ص: 380 ] ص: وأما عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - فروي عنه ما قد حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا قبيصة بن عقبة، قال: ثنا سفيان ، عن عوف ، عن أبي رجاء ، عن ابن عباس قال: "صليت معه الفجر فقنت قبل الركوع".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عوف ... فذكر بإسناده مثله، وزاد: "وقال: هذه الصلاة الوسطى".

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله-: فقد يجوز أيضا في أمر ابن عباس في ذلك ما جاز في أمر علي - رضي الله عنه -، فنظرنا هل روي عنه خلاف هذا؟ فإذا أبو بكرة قد حدثنا، قال: ثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان الثوري ، عن واقد ، عن سعيد بن جبير قال: " صليت خلف ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم - فكانا لا يقنتان في صلاة الصبح".

                                                حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أنا زائدة ، عن منصور، قال: أنا مجاهد، أو سعيد بن جبير: "أن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان لا يقنت في صلاة الفجر".

                                                حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: أنا حصين ، عن عمران بن الحارث، قال: "صليت خلف ابن عباس في داره الصبح، فلم يقنت قبل الركوع ولا بعده".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة ، عن حصين بن عبد الرحمن، قال: أخبرني عمران بن الحارث السلمي قال: "صليت خلف ابن عباس الصبح، فلم يقنت".

                                                فكان الذي يروي عنه القنوت هو أبو رجاء إنما كان ذلك وهو بالبصرة واليا عليها لعلي - رضي الله عنه -، وكان أحد من يروي عنه بخلاف ذلك سعيد بن جبير، وإنما كانت صلاته بعد ذلك بمكة، وكانت صلاته في ذلك مذهب عمر وعلي - رضي الله عنهما -، فكان الذين قد روينا عنهم القنوت في الفجر إنما كان ذلك منهم للعارض الذي ذكرنا، فقنتوا فيها وفي غيرها من الصلوات، وتركوا ذلك في حال عدم ذلك العارض.

                                                [ ص: 381 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 381 ] ش: لما استدل الخصم أيضا بما روي عن ابن عباس من قنوته في الصبح، ذكره ثم أجاب عنه بما ملخصه: أن قنوت ابن عباس - رضي الله عنهما - يجوز أن يكون كقنوت علي -يعني لأجل الحراب- كان يدعو على الأعداء، على أنه قد روى عنه سعيد بن جبير وعمران بن الحارث عدم القنوت أصلا، والذي روى عنه القنوت هو أبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي، وكان ذلك لما كان ابن عباس بالبصرة واليا عليها من جهة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، والذي روى عنه سعيد بن جبير كان بمكة بعد ذلك، فدل أن ما كان منه من القنوت في الصبح إنما كان لأجل العارض وهو الحرب، فكل من روي عنه من الصحابة من القنوت في الصبح فمحمول على هذا العارض، والدليل على صحة هذا: أن بعضهم كان يقنت أيضا في غير الصبح، وقد ذكرنا عن قريب أن ابن حزم روى أن عليا - رضي الله عنه - كان يقنت في الصلوات كلهن، وكان ذلك حين كان يحارب أهل الشام، فهذا كله يدل على بطلان قول من يرى القنوت في الصبح دائما.

                                                وقد أخرج ما روي عن قنوته من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن علي بن شيبة ، عن قبيصة بن عقبة بن محمد السوائي الكوفي ، عن سفيان الثوري ، عن عوف بن أبي جميلة المعروف بالأعرابي ، عن أبي رجاء عمران بن ملحان، أدرك زمان النبي - عليه السلام - ولم يره، وأسلم بعد الفتح وأتى عليه مائة وعشرون سنة.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا هشيم ، عن عوف ، عن أبي رجاء، قال: "رأيت ابن عباس يمد ضبعيه في قنوت صلاة الغداة إذ كان بالبصرة".

                                                الثاني: أخرجه الطحاوي بعينه في باب: الصلاة الوسطى.

                                                وأبو عاصم هو الضحاك بن مخلد .

                                                [ ص: 382 ] وأخرجه البيهقي مطولا وقد ذكرناه هناك.

                                                وأخرج ما روي عن عدم قنوته من أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن أبي بكرة بكار ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن سفيان الثوري ، عن واقد الخياط أبي عبد الله مولى زيد بن خليد، وثقه ابن حبان ، عن سعيد بن جبير .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان ، عن واقد مولى زيد بن خليد ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - "أنهما كانا لا يقنتان في الفجر".

                                                الثاني: عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن عبد الله بن رجاء ... إلى آخره.

                                                وهؤلاء قد تكرروا جدا.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا الحسن بن علي ، عن زائدة ، عن منصور، قال: حدثني مجاهد وسعيد بن جبير: "أن ابن عباس كان لا يقنت في صلاة الفجر".

                                                الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود ، عن هشيم بن بشير ، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي ، عن عمران بن الحارث السلمي أبي الحكم الكوفي، روى له مسلم والنسائي .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا هشيم، قال: أنا حصين ، عن عمران بن الحارث قال: "صليت مع ابن عباس في داره الصبح، فلم يقنت قبل الركوع ولا بعده".

                                                [ ص: 383 ] الرابع: عن أبي بكرة بكار ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن حصين بن عبد الرحمن ... إلى آخره.

                                                وأخرجه الطيالسي في "مسنده".




                                                الخدمات العلمية