الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2499 ص: وقد رأينا الأصل المجتمع عليه أن الصلاة المفروضة ليس للرجل أن يصليها قاعدا وهو يطيق القيام، وليس له أن يصليها على راحلته في سفره وهو يطيق النزول، ورأيناه يصلي التطوع على الأرض قاعدا وهو يطيق القيام، ويصليه في سفره على راحلته، فكان الذي يصليه قاعدا وهو يطيق القيام هو الذي يصليه في السفر على راحلته، والذي لا يصليه قاعدا وهو يطيق القيام هو الذي لا يصليه في السفر على راحلته، هكذا الأصول المتفق عليها، ثم كان الوتر باتفاقهم لا يصليه الرجل على الأرض قاعدا وهو يطيق القيام ; فالنظر على ذلك أن لا يصليه في السفر على راحلته وهو يطيق النزول، فمن هذه [ ص: 438 ] الجهة -عندي- ثبت نسخ الوتر على الراحلة، وليس في هذا دليل على أنه فريضة أو تطوع.

                                                وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه إشارة إلى بيان وجه النظر والقياس، بيانه: أن الصلاة المفروضة لا يجوز أداؤها قاعدا مع القدرة على القيام، فكذا لا يجوز أداؤها في السفر على الراحلة عند القدرة على النزول، والصلاة التطوع يجوز أداؤها قاعدا مع القدرة على القيام، فكذا يجوز أداؤها في السفر على الراحلة مع القدرة على النزول، هذا أصل مجمع عليه، ثم الوتر لا يجوز أداؤه قاعدا على الأرض مع القدرة على القيام بلا خلاف، فالقياس على ذلك أن لا يصلى في السفر على الراحلة مع القدرة على النزول ; لأن كل ما له أن يصلي قاعدا مع القدرة على القيام كان له أن يصليه في السفر على الراحلة، وكل ما ليس له أن يصليه قاعدا مع القدرة على القيام ليس له أن يصليه في السفر على الراحلة، فافهم.

                                                قوله: "فمن هذه الجهة" أشار به إلى جهة النظر الذي ذكره.

                                                فإن قيل: ما حقيقة وجه نسخ الوتر على الراحلة حتى قال: فمن هذه الجهة عندي ثبت نسخ الوتر على الراحلة.

                                                قلت: وجه ذلك أن يكون بدلالة التاريخ وهو أن يكون أحد النصين موجبا للمنع والآخر موجبا للإباحة، فإن التعارض بينهما ثابت من حيث الظاهر، ثم ينتفي ذلك بالمصير إلى دلالة التاريخ وهو أن النص الموجب للمنع يكون متأخرا عن الموجب للإباحة، فكان الأخذ به أولى وأحق.

                                                بيان ذلك: أن الآثار التي احتجت بها أهل المقالة الأولى توجب إباحة الوتر على الراحلة، والآثار التي احتجت بها أهل المقالة الثانية توجب منع ذلك، وذلك لأنها تخبر عن وجوب الوتر وإلحاقه بالفرائض، وكان الحكم في الفرائض أن لا تصلى على الراحلة عند القدرة على النزول، فكذلك يكون حكم ما ألحق [ ص: 439 ] بها، فتكون الآثار المذكورة دالة على انتساخ ما روي من جوازه على الراحلة من هذه الجهة، وهو تحقيق ما ذكره الطحاوي .

                                                فإن قيل: كيف يكون النسخ وقد صح عن ابن عمر أنه كان يوتر على راحلته بعد النبي - عليه السلام - ويقول: "كان رسول الله يفعل ذلك".

                                                قلت: يجوز أن يكون الوتر عنده كالتطوع، فحينئذ له أن يصلي على الراحلة إن شاء وإن شاء على الأرض كما في التطوع.

                                                على أن مجاهدا قد روي عنه أنه كان ينزل للوتر، فعلى هذا يجوز أن يكون ما فعله من وتره على الراحلة قبل علمه بالنسخ ثم لما علمه رجع إليه وترك الوتر على الراحلة، فافهم.

                                                قوله: "وليس في هذا دليل على أنه. . . " أي أن الوتر فريضة أو تطوع، وأشار بذلك إلى أن الوتر له منزلة بين المنزلتين وهو أنه ليس بفرض قطعي كسائر الفرائض القطعية ولا هو يقصو عن السنن المؤكدة ولهذا يجب قضاؤه أبدا ولا يكفر جاحده.

                                                وعن هذا قال أبو حنيفة : الوتر فرض عملا -واجب علما- سنة سببا، والله أعلم.

                                                [ ص: 440 ]



                                                الخدمات العلمية