الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2903 2904 2905 2906 ص: وقد روي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله - عليه السلام - :

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، عن يونس ، عن نافع ، أنه حدثه : " أن عبد الله بن عمر صلى في الدار على مولود له ، ثم أمر به فحمل فدفن " .

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أنا محمد بن راشد ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله ، قال : " إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه " .

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن منصور بن أبي منصور ، عن أبي هريرة : " أنه استفتي في صبي مولود مات أيصلى عليه ؟ قال : نعم " .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب ، قال : ثنا شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : "رأيت أبا هريرة صلى على منفوس لم يعمل خطيئة قط ، فسمعته يقول : اللهم أعذه من عذاب القبر " .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي فعل الصلاة على الأطفال عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - ، وأخرج في ذلك عن ثلاثة منهم ، وهم : عبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله ، وأبو هريرة - رضي الله عنهم - .

                                                أما أثر عبد الله بن عمر فأخرجه بإسناد صحيح : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن نافع مولى ابن عمر .

                                                وهؤلاء كلهم رجال مسلم .

                                                وأما أثر جابر بن عبد الله فأخرجه بإسناد صحيح : عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن يزيد بن هارون الواسطي ، عن محمد بن راشد الخزاعي البصري ، أصله شامي وثقه أحمد ، وعن يحيى : ثقة صدوق . روى له الأربعة .

                                                عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله . [ ص: 430 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا أسباط بن محمد ، عن أشعث ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : "إذا استهل صلي عليه وورث ، فإذا لم يستهل لا يصلى عليه ولا يورث " .

                                                وأخرجه الترمذي مرفوعا : ثنا أبو عمار ، قال : ثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن إسماعيل بن مسلم المكي ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي - عليه السلام - قال : "الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل " .

                                                قال أبو عيسى : هذا حديث قد اضطرب الناس فيه ، فرواه بعضهم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي - عليه السلام - مرفوعا ، وروى الأشعث بن سوار وغير واحد ، عن أبي الزبير ، عن جابر موقوفا ، وروى محمد بن إسحاق ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر موقوفا ، وكأن هذا أصح من الحديث المرفوع .

                                                وأما أثر أبي هريرة فأخرجه من طريقين :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عبد الله بن لهيعة فيه مقال ، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري روى له الجماعة ، عن منصور بن أبي منصور قال في "الميزان " : مجهول . وذكره ابن حبان في "الثقات " .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة .

                                                وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا عبدة بن سليمان ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد ، عن أبي هريرة : "أنه كان يقوم على المنفوس من ولده الذي لم يعمل خطيئة فيقول : اللهم من عذاب القبر " . [ ص: 431 ] وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة : "أنه صلى على المنفوس ، ثم قال : اللهم أعذه من عذاب القبر " .

                                                وأخرج أيضا : من حديث نعيم بن حماد ، نا ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة : "أنه كان يصلي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط ، يقول : اللهم اجعله لنا فرطا وسلفا وذخرا " . قال نعيم : وقيل لبعضهم : "أتصلي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط ؟ قال : قد صلي على رسول الله - عليه السلام - وكان مغفورا له بمنزلة من لم يعص الله " .

                                                قوله : "على منفوس " أي طفل حين يولد .

                                                قوله : "اللهم أعذه من عذاب القبر " يدل على أن عذاب القبر حق ردا على من أنكره من المعتزلة ، وأنه يعم الصغير والكبير .

                                                فإن قيل : المنفوس الذي لم يعمل خطيئة كيف يعذب في القبر ؟

                                                قلت : لما لم يخل الصغير عن السؤال في القبر حتى عن نظره إلى الدنيا مرة واحدة أطلق على ذلك العذاب ; لأن في السؤال نوع عذاب في حقه ، والأولى أن يحمل هذا على سؤال الثبات والدوام على ما هو عليه من عدم العذاب في حقه ، كما كان رسول الله - عليه السلام - يتعوذ من عذاب القبر مع العلم قطعا أنه لا يعذب أصلا .




                                                الخدمات العلمية