الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3055 ص: وأما وجه طريق النظر فإنا رأينا الذين يوجبون فيها الزكاة ولا يوجبونها حتى تكون ذكورا وإناثا يلتمس صاحبها نسلها ، ولا تجب الزكاة في ذكورها خاصة ، ولا في إناثها خاصة ، وكانت الزكوات المتفق عليها في المواشي السائمة تجب في الإبل والبقر والغنم ذكورا كانت كلها أو إناثا .

                                                فلما استوى حكم الذكور في ذلك خاصة ، وحكم الإناث خاصة ، وحكم الذكور والإناث ، وكانت الذكور من الخيل خاصة والإناث منها خاصة لا تجب فيها زكاة ، كان كذلك في النظر للإناث منها والذكور إذا اجتمعت ، لا تجب فيها زكاة .

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد أن وجه القياس أيضا يقتضي أن لا تجب الزكاة في الخيل مطلقا ; وذلك لأن من يوجب الزكاة في الخيل يشترط أن تكون مختلطة ذكورا وإناثا ، حتى يكون فيها در وتناسل ، حتى لا يوجب في ذكرانها خاصة ولا في إناثها خاصة ، وبقية السوائم من الإبل والبقر والغنم تجب فيها الزكاة مطلقا سواء كانت ذكورا أو إناثا أو مختلطة ، وهذا بلا خلاف بينهم ، وكانت الخيل إذا كانت ذكورا خاصة لا تجب ، وكذا إذا كانت إناثا خاصة لا تجب بلا خلاف .

                                                فالقياس على هذا أن لا تجب إذا كانت ذكورا وإناثا ; لأنه لما استوى الأحوال كلها في بقية المواشي في الوجوب كان ينبغي أن تستوي الأحوال أيضا في الخيل في عدم الوجوب .

                                                وقد شنع ابن حزم على أبي حنيفة في هذا الموضع فقال : استدل أبو حنيفة بفعل عمر وعثمان - رضي الله عنهما - ثم خالفه .

                                                وذلك أن قول أبي حنيفة : إنه لا زكاة في الخيل الذكور ولو كثرت وبلغت ألف فرس ، فإن كانت إناثا أو إناثا وذكورا سائمة غير معلوفة فحينئذ تجب فيها

                                                [ ص: 101 ] الزكاة ، وصفة تلك الزكاة أن صاحب الخيل مخير إن شاء أعطى من كل فرس دينارا أو عشرة دراهم ، وإن شاء قومها فأعطى من كل مائتي درهم عشرة ، وهذا خلاف فعل عمر - رضي الله عنه - .

                                                قلت : لا نسلم أن أبا حنيفة خالف فعل عمر - رضي الله عنه - ; فإن عمر - رضي الله عنه - أخذ من كل فرس عشرة دراهم على ما مر في حديث حارثة بن مضرب .

                                                وأما اشتراطه أن تكون ذكورا وإناثا أو إناثا حتى تجب فيها الزكاة فليس ذلك من رأيه واجتهاده بل هو هكذا منقول عن إبراهيم النخعي .

                                                قال محمد في "آثاره " : أنا أبو حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم أنه قال في الخيل السائمة التي يطلب نسلها : "إن شئت في كل فرس دينارا ، وإن شئت عشرة دراهم ، وإن شئت فالقيمة ، ثم كان في كل مائتي درهم خمسة دراهم في كل فرس ذكر أو أنثى " . انتهى .

                                                فمن هذا عرفت أن وجه النظر هذا فيه نظر . فافهم .




                                                الخدمات العلمية