الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3193 ص: فلما جاءت هذه الآثار عن رسول - عليه السلام - على ما ذكرنا ; لم يجز أن يجعل بعضها مخالفا لبعض فتتنافى ويدفع بعضها بعضا ما وجدنا السبيل إلى تصحيحها وتخريج

                                                [ ص: 292 ] وجوهها ، فكان حديث عائشة - رضي الله عنها - الذي ذكرناه عنها في هذا الباب في الصوم التطوع ، فكذلك وجهه عندنا ، وكان ما روي في عاشوراء في الصوم المفروض في اليوم الذي بعينه حكم الصوم المفروض في اليوم بعينه في ذلك اليوم جائز أن يعقد له النية بعد طلوع الفجر ، ومن ذلك شهر رمضان ، فهو فرض في أيام بعينها كيوم عاشوراء ، إذ كان فرضا في يوم بعينه ، فكما كان يوم عاشوراء يجزئ من نوى صوم يومه بعد ما أصبح ، فكذلك شهر رمضان يجزئ من نوى صوم يوم منه صومه ذلك .

                                                وبقي بعد هذا ما روينا في حديث حفصة عن النبي - عليه السلام - ، فهو عندنا في الصوم الذي هو خلاف هذين الصومين من صوم الكفارات وقضاء شهر رمضان ، حتى لا يضاد ذلك شيئا -مما ذكرنا في هذا الباب- غيره .

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بهذه الآثار : الأحاديث التي أخرجها في هذا الباب ، وأراد بقوله على ما ذكرنا أن ببعضها احتجت أهل المقالة الأولى ، وببعضها أهل المقالة الثانية ، فيكون ما تحتج به إحدى الطائفتين مخالفا للأخرى بحسب الظاهر ، ولكنه منع ذلك بقوله : لم يجز أن يجعل بعضها -أي بعض هذه الآثار- مخالفا لبعض -فتتنافى ويدفع بعضها بعضا ، فقوله : تتنافى ويدفع كلاهما تنازعا في قوله بعضها .

                                                قوله : "ما وجدنا السبيل " أي : مدة وجداننا الطريق إلى تصحيح الآثار وتخريج وجوهها على وجه لا يقع فيها منافاة وتخالف ، ثم شرع في بيان ذلك بقوله : فكان حديث عائشة . . . إلى آخره .

                                                بيان ذلك : أن ها هنا ثلاثة أحاديث :

                                                الأول : حديث عائشة وهو وارد في صوم التطوع بلا شك ، وحكمه جواز التطوع بنية في أول النهار ، وهو معنى قوله : فذلك وجهه عندنا .

                                                والثاني : الحديث الذي ورد في صوم يوم عاشوراء لما كان فرضا ، فحكمه جواز الصوم المفروض في يوم معين بنية في أول النهار فلحق به صوم رمضان أيضا ; لأنه مفروض في أيام معينة ، أشار إليه بقوله : ومن ذلك شهر رمضان . . . إلى آخره .

                                                [ ص: 293 ] الثالث : حديث حفصة المذكور في أول الباب الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فإنه محمول على صوم غير الصومين المذكورين ، وهما : الصوم التطوع ، والصوم المفروض في وقت معين ، وهو صوم قضاء رمضان وصوم الكفارات والصوم المنذور بلا تعيين يوم .

                                                فبهذا التصحيح والتخريج ارتفع أن يضاد بعضها بعضا ; لأن في مثل هذا إعمالا بالدلائل كلها ، وفيما ذهب إليه المخالف إهمال لبعضها ، وإعمال كلها أولى ، من إعمال البعض وإهمال البعض .




                                                الخدمات العلمية