الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3710 3711 3712 3713 3714 3715 3716 3717 3718 3719 3720 [ ص: 227 ] ص: ثم قد تواترت الروايات بعد ذلك عن أنس - رضي الله عنه - بدخول النبي - عليه السلام - فيهما جميعا .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا حبان ، قال : ثنا وهيب ، قال : ثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس : "أن النبي - عليه السلام - لما استوت راحلته على البيداء جمع بينهما" .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عبد الله بن بكر ، عن حميد ، عن أنس (ح) .

                                                وحدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي قزعة ، عن أنس قال : "سمعت النبي - عليه السلام - يقول : لبيك بعمرة وحجة" .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا أحمد بن يونس ، قال : ثنا أبو شهاب ، عن ابن أبي ليلى ، عن ثابت البناني ، عن أنس عن النبي - عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن حميد ، عن أنس عن النبي - عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا عمرو بن خالد ، قال : ثنا عبيد الله بن عمرو - وهو الرقي - عن أيوب ، عن أبي قلابة وحميد بن هلال ، عن أنس بن مالك قال : " كنت ردف أبي طلحة ، وركبتي تمس ركبة النبي - عليه السلام - ، فلم يزالوا يصرخون بهما جميعا بالحج والعمرة" .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن يحيى بن أبي إسحاق ، قال : سمعت أنسا يقول : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : " لبيك بعمرة وحجة معا" .

                                                حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا عمرو بن عاصم الكلابي (ح).

                                                وحدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا الخصيب ، قالا : ثنا همام ، عن قتادة ، عن أنس قال : " اعتمر رسول الله - عليه السلام - عمرة من الحديبية ، وعمرة من العام المقبل ، وعمرة من الجعرانة ، وعمرة حيث قسم غنائم حنين وعمرة مع حجته ، وحج حجة واحدة" .

                                                [ ص: 228 ] حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا الحسن بن موسى وابن نفيل قالا : ثنا أبو خيثمة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي أسماء ، عن أنس قال : " خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله - عليه السلام - أن نجعلها عمرة وقال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة ، ولكني سقت الهدي وقرنت الحج بالعمرة" .

                                                ففي هذا الحديث من قول رسول الله - عليه السلام - أنه قرن الحج بالعمرة ؛ فقد دل ذلك على صحة قول من أخبر من فعله بما يوافق ذلك .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد تكاثرت الروايات وتظاهرت عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - عليه السلام - كان قارنا ، وهو معنى قوله : "بدخول النبي - عليه السلام - فيهما جميعا" أي في العمرة والحج وهو عين القران ، وقد ذكرنا عن ابن حزم أنه قال ستة عشر من الثقات اتفقوا على أنس - رضي الله عنه - على أن لفظ النبي - عليه السلام - كان إهلالا بحجة وعمرة معا ، وصرحوا عن أنس أنه سمع ذلك منه - عليه السلام - وهم : بكر بن عبد الله المزني وأبو قلابة وحميد الطويل ، وأبو قزعة ، وثابت البناني ، وحميد بن هلال ، ويحيى بن أبي إسحاق وقتادة ، وأبو أسماء ، والحسن البصري ، ومصعب بن سليم ، ومصعب بن عبد الله بن الزبرقان ، وسالم بن أبي الجعد ، وأبو قدامة ، وزيد بن أسلم ، وعلي بن زيد .

                                                وقد أخرج الطحاوي - رحمه الله - : عن تسعة منهم أولهم بكر بن عبد الله وآخرهم أبو أسماء على الترتيب الذي ذكرناه .

                                                أما حديث بكر بن عبد الله المزني فقد مضى ذكره .

                                                وأما حديث أبي قلابة فأخرجه بإسناد صحيح : عن إبراهيم بن مرزوق عن حبان - بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة - بن هلال عن وهيب بن خالد البصري عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أحد الأئمة الأعلام عن أنس .

                                                وأخرجه البخاري مطولا : ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا أيوب عن [ ص: 229 ] أبي قلابة عن أنس قال : "صلى رسول الله - عليه السلام - ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به راحلته على البيداء حمد الله وسبح وكبر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما ، فلما قدمنا أمر الناس فحلوا ، حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج قال : ونحر النبي - عليه السلام - بدنات بيده قياما وذبح رسول الله - عليه السلام - بالمدينة كبشين أملحين .

                                                وأما حديث حميد الطويل فأخرجه من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن إبراهيم بن مرزوق عن عبد الله بن بكر بن حبيب السلمي البصري عن حميد الطويل عن أنس .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا ابن علية عن حميد عن أنس : "أن النبي - عليه السلام - قال : "لبيك بعمرة وحجة معا" .

                                                الثاني : عن محمد بن خزيمة عن حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس .

                                                وأخرجه " الترمذي " : ثنا قتيبة قال : نا حماد بن زيد عن حميد عن أنس قال : سمعت النبي - عليه السلام - يقول : "لبيك بعمرة وحجة" .

                                                قال أبو عيسى : حديث أنس حديث صحيح .

                                                وأما حديث أبي قزعة فأخرجه أيضا بإسناد صحيح عن إبراهيم بن مرزوق عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن أبي قزعة سويد بن حجير الباهلي البصري روى له الجماعة سوى البخاري .

                                                وأخرجه ابن حزم نحوه .

                                                [ ص: 230 ] وأما حديث ثابت البناني فأخرجه عن فهد بن سليمان عن أحمد بن يونس شيخ البخاري عن أبي شهاب الأصغر الحناط - بالنون - الكوفي واسمه عبد ربه بن نافع روى له الجماعة سوى الترمذي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه قاضي الكوفة ، فيه لين عن ثابت البناني عن أنس .

                                                وأخرجه العدني في "مسنده" : ثنا وكيع ثنا ابن أبي ليلى عن ثابت عن أنس عن النبي - عليه السلام - أنه قال : "لبيك بحج وعمرة معا" .

                                                وأما حديث حميد بن هلال فأخرجه بإسناد صحيح عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي عن عمرو بن خالد الحراني شيخ مسلم عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وعن حميد بن هلال بن ضمرة العدوي روى له الجماعة كلاهما عن أنس بن مالك .

                                                وأخرجه " البزار " في "مسنده" : ثنا سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة وحميد بن هلال عن أنس قال : "كنت ردف أبي طلحة وإن ركبته لتمس ركبة رسول الله - عليه السلام - وهو يلبي بالحج والعمرة" .

                                                فإن قيل : قال البزار : هذا الحديث يدل على أن أبا طلحة كان يلبي بالحج والعمرة والنبي - عليه السلام - يسمع ذلك فلا ينكره ؛ لأن أنسا لم يقل في هذا الحديث : فسمعت النبي يلبي وإنما قال : سمعته يعني أبا طلحة .

                                                قلت : روى العدني هذا الحديث في "مسنده" : ثنا بشر بن السري ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال : "كنت رديف أبي طلحة وهو يساير النبي - عليه السلام - وإن رجلي لتمس عرز النبي - عليه السلام - فسمعته يلبي بالحج والعمرة معا" انتهى .

                                                [ ص: 231 ] فها هنا صرح بقوله : سمعته أي النبي - عليه السلام - لأن الضمير يعود إلى أقرب المذكورين فافهم .

                                                فإن قيل : قال البيهقي : قال الفسوي : سمعت سليمان يقول : سمع أبو قلابة هذا من أنس وهو فقيه وروى حميد ويحيى بن أبي إسحاق عن أنس سمع النبي يلبي بعمرة وحج ثم قال : ولم يحفظا وإنما الصحيح ما قال أبو قلابة : إن النبي - عليه السلام - أفرد الحج وقد جمع بعض الصحابة بين الحج والعمرة فإنما سمع أنس أولئك الذين جمعوا بينهما .

                                                قلت : قول أنس - رضي الله عنه - : يصرخون بها يندرج فيه النبي - عليه السلام - وأصحابه كما صرح به في الرواية الأخرى حيث قال : "أهل الناس بهما" وفي هذا جمع بين الروايتين وقول سليمان بن حرب : "لم يحفظا" قول لا دليل عليه ، بل حفظا وتابعهما على ذلك جماعة وهم الذين ذكرناهم فإن كلهم اتفقوا على أنس على أن لفظ النبي - عليه السلام - كان إهلالا بحجة وعمرة معا وعلى تقدير التنافي بين الروايتين فرواية هؤلاء الجماعة أولى ، ولم يرو أبو قلابة الإفراد أصلا فيما علمنا فضلا عن أن يكون ذلك هو الصحيح كما زعم سليمان بل الذي في الصحيح أنه روى القران وقد صرح هؤلاء الجماعة عن أنس أنه سمع ذلك منه - عليه السلام - فانتهى قول سليمان إنما سمعه من بعض أصحابه .

                                                وأما حديث يحيى بن أبي إسحاق فأخرجه بإسناد صحيح : عن إبراهيم بن مرزوق عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري عن سفيان الثوري عن يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي البصري روى له الجماعة ، عن أنس - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا ابن علية عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس أنه سمع النبي - عليه السلام - يقول : "لبيك بعمرة وحجة" .

                                                [ ص: 232 ] وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه نحوه .

                                                وأما حديث قتادة فأخرجه من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي عن عمرو بن عاصم بن عبيد الله الكلابي أبي عثمان البصري شيخ البخاري عن همام بن يحيى عن قتادة ، عن أنس .

                                                وأخرجه البخاري : عن حسان عن همام عن قتادة عن أنس . . . إلى آخره نحوه .

                                                الثاني : عن سليمان بن شعيب الكيساني عن الخصيب بن ناصح البصري عن همام عن قتادة عن أنس .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا بهز وعبد الصمد - المعنى - قالا : ثنا همام بن يحيى نا قتادة قال : "سألت أنس بن مالك قلت : كم حج رسول الله - عليه السلام - ؟ قال : حجة واحدة واعتمر أربع مرات : عمرته في الحديبية وعمرته في ذي القعدة من المدينة وعمرته من الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين وعمرته مع حجته" .

                                                وأما حديث أبي أسماء فأخرجه عن أبي أمية أيضا عن الحسن بن موسى الأشيب شيخ أحمد روى له الجماعة .

                                                وعن عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي الحراني شيخ البخاري وأبي داود كلاهما عن أبي خيثمة زهير بن معاوية أحد أصحاب أبي حنيفة روى له الجماعة ، عن [ ص: 233 ] أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي روى له الجماعة ، عن أبي أسماء الصيقل ، سئل أبو زرعة عنه فقال : لا أعرف اسمه ، روى له أحمد والنسائي .

                                                والحديث أخرجه النسائي : نا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي أسماء عن أنس قال : "سمعت رسول الله - عليه السلام - يلبي بهما" .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا أسود بن عامر أو حسن بن موسى نا زهير ، عن أبي إسحاق عن أبي أسماء الصيقل عن أنس بن مالك قال : "خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله - عليه السلام - . . . . " إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء .

                                                قوله : "نصرخ بالحج" أي نرفع صوتنا به .

                                                قوله : "أن نجعلها عمرة" فيه حجة لمن يرى بفسخ الحج في عمرة وهو مذهب أحمد وأهل الظاهر ، ومنع من ذلك أبو حنيفة والشافعي ومالك وأجابوا عن ذلك بأن فسخ الحج في العمرة قد كان خص به أصحاب رسول الله - عليه السلام - .

                                                قوله : "قرنت الحج والعمرة" أي قرنت بينهما فهذا صريح على أنه - عليه السلام - قد كان قارنا في حجته فقوله هذا قد دل على صحة قول من أخبر من فعله أيضا أنه جمع بين الحج والعمرة فثبت قران النبي - عليه السلام - في حجته بقوله وفعله فلم يبق بعد هذا شيء وليس ما وراء عناد أي قربة .

                                                وأما حديث الحسن البصري فأخرجه البزار في "مسنده" : نا الحسن بن قزعة نا سفيان بن حبيب نا أشعث عن الحسن عن أنس : "أن النبي - عليه السلام - أهل هو وأصحابه بالحج والعمرة . . . " الحديث .

                                                وأما حديث مصعب بن سليم فأخرجه العدني في "مسنده" : ثنا وكيع عن مصعب بن سليم أنه سمع أنس بن مالك يقول : "أهل رسول الله - عليه السلام - بحجة وعمرة" .

                                                [ ص: 234 ] وأما حديث مصعب بن عبد الله بن الزبرقان . فأخرجه العدني أيضا : ثنا سفيان نا حميد الكوفي ومصعب بن عبد الله بن الزبرقان قال : عن أنس ، قال : سمعت النبي - عليه السلام - يقول : "لبيك بحجة وعمرة - أو بعمرة وحجة - معا" .

                                                وأما حديث سالم بن أبي الجعد فأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا يحيى بن آدم نا شريك عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أنس يرفعه إلى النبي - عليه السلام - : "أنه جمع بين العمرة والحج فقال : لبيك بحجة وعمرة" .

                                                وأما حديث أبي قدامة فأخرجه أحمد أيضا في "مسنده" : ثنا روح بن عبادة ، ثنا شعبة ، عن يونس بن عبيد ، عن أبي قدامة الحنفي ، قال : "قلت لأنس : بأي شيء كان رسول الله - عليه السلام - يهل ، فقال سمعته سبع مرار : بعمرة وحجة ، بعمرة وحجة" .

                                                وأما حديث زيد بن أسلم فأخرجه البزار في "مسنده" : ثنا الحسن بن عبد العزيز ومحمد بن مسكين قالا : نا بشر بن بكر عن سعيد بن عبد العزيز عن زيد بن أسلم عن أنس : "أن النبي - عليه السلام - أهل بحج وعمرة" .

                                                وأما حديث علي بن زيد فكذلك أخرجه البزار : ثنا إبراهيم بن سعيد نا علي بن حكيم عن شريك عن علي بن زيد عن أنس : "أن النبي - عليه السلام - لبى بهما جميعا" .




                                                الخدمات العلمية