الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4476 ص: ثم هذا ابن عباس قد كان من بعد يفتي من طلق امرأته ثلاثا أن طلاقه قد لزمه وحرمها عليه.

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة ، قال: ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، قال: "جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا، فقال: إن عمك عصى الله -فآثمه الله- وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، فقلت: فكيف ترى في رجل يحلها له؟ فقال: من يخادع الله يخادعه".

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا وما بعده من أحاديث ابن عباس شاهدا لما قاله من انتساخ حديثه ذاك، أي: ثم هذا عبد الله بن عباس قد كان يفتي من بعد أن روى الحديث المذكور بوقوع الطلاق الثلاث عند التلفظ بها، فالراوي إذا روى شيئا ثم أفتى بخلافه أو عمل بخلافه، دل على أنه قد ثبت عنده نسخ ما رواه.

                                                وقال الشافعي: يشبه أن يكون ابن عباس قد علم شيئا ثم نسخ؛ لأنه لا يروي عن رسول الله -عليه السلام- شيئا ثم يخالفه بشيء لم يعلمه كان من النبي -عليه السلام- فيه خلاف.

                                                وقال البيهقي: رواية عكرمة عن ابن عباس قد مضت في النسخ، وفيها تأكيد لصحة هذا التأويل.

                                                قلت: رواية عكرمة هي ما رواه أبو داود والنسائي بإسنادها إلى ابن عباس [ ص: 53 ] قال: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثا فسخ ذلك فقال: الطلاق مرتان الآية".

                                                وأخرجه البيهقي أيضا.

                                                وقال البيهقي : قال الشافعي: فإن قيل: فلعل هذا شيء روي عن [عمر] فقال فيه ابن عباس بقول [عمر] -رضي الله عنه-. قيل له: قد علمنا أن ابن عباس يخالف عمر في نكاح المتعة وفي بيع الدينار بالدينارين وفي بيع أمهات الأولاد فكيف يوافقه في شيء يروى عن النبي -عليه السلام- خلافه.

                                                ثم إنه أخرج أثر ابن عباس بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي البصري شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن مالك بن الحارث السلمي الكوفي وثقه يحيى وابن حبان، وروى له مسلم وأبو داود والنسائي .

                                                وأخرجه البيهقي من حديث الأعمش ، عن مالك بن الحارث، عن ابن عباس قال: "أتاني رجل فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثا، فقال: إن عمك عصى الله -فأندمه الله- وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا، قال: أفلا يحللها له رجل؟ فقال: من يخادع الله يخادعه".

                                                قوله: "فآثمه الله" أي عده عليه إثما، يقال: أثمه الله في كذا يأثمه ويأثمه -بضم عين الفعل في المستقبل وكسرها- فهو مأثوم، هذا بالقصر، ويقال: [ ص: 54 ] بالمد آثمه الله أي أوقعه في الإثم، وأثمه أيضا بالتشديد، وفي رواية البيهقي: "فأندمه الله" من الندامة.

                                                قوله: "من يخادع الله" أي من يعامل الله معاملة المخادعين.

                                                وقوله: "يخادعه" مجزوم؛ لأنه جواب "من" التي تضمنت معنى الشرط، أي يجازيه بما عمل من خداعه، وهذا من باب المشاكلة والازدواج، والمعنى أنه لما عصى الله تعالى في إيقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة وسد الباب على نفسه وخالف السنة؛ جازاه الله تعالى بأن أحوجه إلى رجل يحللها له.




                                                الخدمات العلمية