الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5488 ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا وأسامة بن زيد أخبراه، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، أن زيدا أبا عياش أخبره: "أنه سأل سعدا ، عن السلت بالبيضاء، ، فقال سعد: : شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا جف؟ فقالوا: نعم، فقال: فلا إذن، وكرهه". .

                                                التالي السابق


                                                ش: عبد الله بن يزيد القرشي المدني الأعور مولى الأسود بن سفيان روى له الجماعة وقال أبو عمر: ظن قوم أنه عبد الله بن يزيد بن هرمز الفارسي الفقيه وليس كذلك، وإنما هو مولى الأسود بن سفيان، وكذلك في رواية أبي مصعب والشافعي وغيرهما، ولم يذكر مالك عن عبد الله بن يزيد بن هرمز حديثا ولا مسألة، يقولون: إنه حرج عليه وعلى غيره إن تحدثوا بحديث أو رأي عنه.

                                                وأبو عياش بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين المعجمة اسمه زيد، يقال له: أبو عياش الزرقي .

                                                وفي "التكميل": زيد بن عياش أبو عياش الزرقي ويقال: المخزومي، ويقال: مولى بني زهرة المدني تابعي .

                                                عن سعد بن أبي وقاص: "أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم".

                                                وعنه عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنس السلمي، وقد صحح هذا الحديث الترمذي وابن خزيمة والحاكم، ووثق زيدا الدارقطني، وقال الإمام أبو حنيفة وأبو محمد بن حزم: مجهول. انتهى.

                                                وقيل: لم يرو عنه أحد غير عبد الله بن يزيد، وفي "شرح الموطأ" للإشبيلي: وزيد هذا قيل: هو أبو عياش الزرقي وقيل: أبو عياش الزرقي اسمه زيد بن [ ص: 356 ] الصامت، وهو من صغار الصحابة وممن شهد بعض مشاهدهم، وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" من التابعين.

                                                والحديث أخرجه مالك في "موطئه" : عن عبد الله بن يزيد، أن زيدا أبا عياش أخبره: "أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت، فقال له سعد: أيتهما أفضل؟ فقال: البيضاء. فنهاه عن ذلك، وقال: سمعت رسول الله -عليه السلام- يسأل عن اشتراء التمر بالرطب، فقال رسول الله -عليه السلام-: "أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. فنهى عن ذلك".

                                                وأخرجه الترمذي : عن قتيبة ، عن مالك نحوه، وقال: حديث حسن صحيح.

                                                وأخرجه النسائي : أنا عمرو بن علي، ثنا يحيى ، عن مالك، حدثني عبد الله بن يزيد ، عن زيد بن أبي عياش ، عن سعد قال: "سئل رسول الله -عليه السلام- عن التمر بالرطب فقال لمن حوله: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. فنهى عنه".

                                                وأخرجه أبو داود : من حديث معاوية بن سلام ، عن يحيى، أنا عبد الله بن يزيد، أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعدا يقول: "نهى رسول الله -عليه السلام- عن بيع الرطب بالتمر نسيئة". وقال الدارقطني: خالفه مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد، رووه عن ابن يزيد، وما قالوا فيه: "نسيئة".

                                                فإن قلت: بم حكمت في هذا الحديث؟

                                                [ ص: 357 ] قلت: هذا كما ترى قد صححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم وسكت عنه أبو داود، وسكوته دليل الرضا به، ولكن فيه مقال كثير، وهو مضطرب متنا وسندا على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.

                                                قوله: "عن السلت بالبيضاء" أي عن بيع السلت بالبيضاء، والسلت -بضم السين المهملة وسكون اللام وفي آخره تاء مثناة من فوق- وهو ضرب من الشعير أبيض لا قشر له، والبيضاء ممدود: الحنطة، وتسمى السمراء أيضا.

                                                وقال الخطابي: السلت: نوع من البر أبيض اللون فيه رخاوة يكون بمصر، والسلت أدق حبا منه، والبيضاء: الشعير.

                                                وفي "شرح الموطأ" للإشبيلي: وخرج قاسم هذا الحديث فقال فيه: "سأل رجل سعدا عن السلت بالشعير ... " فساق الحديث، فبان بهذا أن البيضاء هي الشعير، ولا خلاف في ذلك أن البيضاء هي الشعير إلا ما ذكره وكيع، فإنه وهم في هذا الحديث على مالك، وساق عنه بسنده، وقال فيه: عن زيد أبي عياش، وقال: "سألت سعدا عن السلت بالذرة فكرهه، وقال: سئل رسول الله -عليه السلام- عن الرطب بالتمر ... " وذكر الحديث، وجعل الذرة موضع البيضاء وذلك وهم، والبيضاء عند العرب الشعير، والسمراء عندهم البر، والذرة صنف منفرد عند العلماء. انتهى.

                                                وروى الترمذي : ثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا إسماعيل بن أمية ، عن عبد الله بن يزيد ، عن أبي عياش قال: "تبايع رجلان على عهد سعد بن أبي وقاص بسلت وشعير، فقال سعد: تبايع رجلان على عهد [ ص: 358 ] رسول الله -عليه السلام- بتمر ورطب، فقال رسول الله -عليه السلام-: أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذن".

                                                قال أبو عمر: في هذا الحديث تفسير البيضاء المذكورة في حديث مالك أنها الشعير، وهو كذلك عند أهل العلم.

                                                قلت: إذا كان البيضاء هو الشعير، وقد ذكرنا أن السلت أيضا نوع من الشعير وقد ذكره الجوهري هكذا أيضا يكون سؤال أبي عياش سعدا عن بيع الشعير بالشعير، وعن هذا قال أبو عمر: في هذا الحديث من قول سعد ما يدل على أن السلت والشعير عنده صنف واحد، فلا يجوز التفاضل بينهما، ولا يجوز إلا مثلا بمثل وكذلك القمح معهما صنف واحد، وهو مذهب مشهور معروف من مذهب سعد بن أبي وقاص إليه ذهب مالك وأصحابه، وقال أيضا: جعل الليث بن سعد البر والشعير والسلت والدخن والأرز والذرة صنفا واحدا هذه الستة كلها لا يجوز بيع شيء منها بشيء إلا مثلا بمثل، يدا بيد عنده. انتهى.

                                                وقال صاحب "المطالع": السلت حب بين البر والشعير لا قشر له.

                                                وقال أيضا: وفي حديث سعد البيضاء بالسلت جاء في حديث سفيان أنه الشعير، وقال الداودي: هو الأبيض من البر. وقال الخطابي: هي الرطب من السلت، كرهه من باب الرطب باليابس من جنسه، ويدل على صحة قول الداودي قول مالك في "الموطأ": الحنطة كلها؛ البيضاء والسمراء والشعير. فجعلها غير الشعير وهي المحمولة، وهي الحنطة في الحجاز.

                                                قوله: "أينقص الرطب" الهمزة فيه للاستفهام، ومعناه التقرير والتنبيه على نكتة الحكم ليعتبروها في نظائرها، ولا يخفى عليه - صلى الله عليه وسلم - أن الرطب ينقص إذا يبس ليستفهم عنه.

                                                قوله: "فلا إذن" أي فلا يجوز حينئذ.

                                                واستفيد منه: أن بيع الرطب بالتمر لا يجوز، وصحة القول بالقياس.

                                                [ ص: 359 ] وفي "شرح الموطأ" للإشبيلي: وأخذ سعد حكم السلت بالبيضاء من حكم النبي -عليه السلام- في الرطب بالتمر؛ دليل على قوله بالقياس، وعلى هذا جماعة الصحابة، ولا نعلم أحدا منهم حفظ عنه قضية إلا وجميعها أو معظمها القياس، وقوله -عليه السلام-: "أينقص الرطب إذا يبس" تنبيه على القياس، فإنه لا يخفى على أحد أن الرطب ينقص إذا يبس، فنبههم النبي -عليه السلام- أن علة التحريم هو التفاضل في هذا الجنس.




                                                الخدمات العلمية