الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5605 ص: فإن قال قائل: فقد ذكر في حديث زيد بن ثابت: "أن رسول الله -عليه السلام- نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا" ، فصارت العرايا في هذا الحديث أيضا هي بيع ثمر بتمر، قيل له: ليس في الحديث من ذلك شيء [إنما] فيه ذكر الرخصة في العرايا ، مع النهي عن بيع الثمر بالتمر، وقد يقرن الشيء بالشيء، وحكمهما يختلف.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال وارد على تأويل أبي حنيفة، يعني: العرية: هي العطية بلا بدل، وليست بيعا، تقريره أن يقال: إن ما ذكره أبو حنيفة منقوض بما رواه زيد بن ثابت: "أن رسول الله -عليه السلام- نهى عن بيع الثمر -بالثاء المثلثة- بالتمر -بالتاء المثناة من فوق- ورخص في العرايا" فدل ذلك أن العرية أيضا بيع ثمر بتمر، ولكنه رخص فيها ترفيقا للناس.

                                                [ ص: 511 ] وتقرير الجواب أن يقال: لا نسلم أن يدل هذا الحديث على ما ذكرتم، غاية ما في الباب أن هذا الحديث مشتمل على حكمين مقرونين:

                                                أحدهما: النهي عن بيع الثمر بالتمر.

                                                والآخر: الترخيص في العرايا.

                                                ولا يلزم من ذكرهما مقرونين أن يكون حكمهما واحدا، وقد يقرن الشيء بالشيء وحكمهما يختلف، ونظائر هذا كثيرة، وقد ذكر أهل التحقيق من الأصوليين: أن من العمل بالوجوه الفاسدة ما قال بعضهم: إن القران في النظم يوجب القران في الحكم، ووجه فساد ذلك: أن ما يجب في الجملة الناقصة لافتقارها إلى ما يتم به، فإذا تم بنفسه لم تجب الشركة إلا فيما يفتقر إليه، وقوله -عليه السلام-: "ورخص في العرايا" جملة تامة لا تفتقر إلى ما تتم به، فلا يطلق حينئذ على العرية أنها البيع.

                                                فإن قيل: حديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص في بيع العرايا" وحديث سهل بن أبي حثمة: "إلا أنه رخص في بيع العرية" يدل على أن العرية بيع ثمر بتمر، وأنه يرد ما قاله أبو حنيفة -ومن تبعه-: إن العرية هي العطية.

                                                قلت: الراوي هو الذي سماها بيعا لتصورها بصورة البيع لا أن يكون بيعا حقيقة، ألا ترى أنه لم يملكها المعرى له لانعدام القبض، فكيف يجعل بيعا؟ ولأنه لو جعل بيعا لكان بيع الثمر بالتمر إلى أجل، وأنه لا يجوز بلا خلاف، فدل ذلك أن العرية المرخص فيها ليست ببيع حقيقة، بل هي عطية.




                                                الخدمات العلمية