الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5262 ص: حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا الوهبي ، قال: ثنا ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: " رد النبي -عليه السلام- زينب ابنته على أبي العاص بن الربيع ، على النكاح الأول بعد ثلاث سنين". .

                                                التالي السابق


                                                ش: الوهبي هو أحمد بن خالد الكندي الوهبي شيخ البخاري في غير "الصحيح"، وثقه ابن معين، وروى له الأربعة.

                                                وأخرجه أبو داود: نا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: ثنا محمد بن سلمة .

                                                وثنا محمد بن عمرو الرازي، قال: نا سلمة يعني ابن الفضل .

                                                ونا الحسن بن علي، ثنا يزيد المعنى كلهم، عن ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: "رد رسول الله -عليه السلام- ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول، لم يحدث شيئا".

                                                قال محمد بن عمرو في حديثه: "بعد ست سنين"، وقال الحسن بن علي: "بعد سنتين".

                                                وأخرجه الترمذي: ثنا هناد، قال: ثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: "رد النبي -عليه السلام- ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا".

                                                [ ص: 380 ] وأخرجه ابن ماجه نحوه، وفي روايته: "بعد سنتين".

                                                وقال الترمذي: هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا نعرف وجه هذا الحديث، ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن الحصين من قبل حفظه.

                                                وقال البخاري: حديث ابن عباس هذا أصح من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده. وسيجيء حديثه إن شاء الله تعالى.

                                                وقال عبد الحق في "الأحكام": في إسناده محمد بن إسحاق، ولم يروه معه - فيما أعلم - إلا من هو دونه، وداود بن الحصين لين، كذا قال أبو زرعة. وقال ابن عيينة: كنا نتقي حديثه. وقال ابن المديني: ما رواه عن عكرمة فمنكر. وقال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة مناكير.

                                                ذكر ذلك الذهبي في "الميزان".

                                                وقال الخطابي: حديث ابن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخة قد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث.

                                                قوله: "رد النبي -عليه السلام- ابنته -رضي الله عنها-" اعلم أن النبي -عليه السلام- له من الأولاد تسعة: خمسة ذكور، وهم: القاسم - وبه يكنى - والطاهر ، والطيب ، وعبد الله ، وإبراهيم، وقيل: عبد الله هو الطيب، وقيل: عبد الله هو الطاهر، وقيل: عبد الله هو الطاهر هو الطيب.

                                                وأربعة إناث، وهن: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة - رضي الله عنهن -، وجميع أولاده من خديجة -رضي الله عنها-، إلا إبراهيم؛ فإنه من مارية القبطية. وأما زينب فهي أكبر بنات رسول الله -عليه السلام- ولدت وله -عليه السلام- ثلاثون سنة، وماتت سنة ثمان في حياة رسول الله -عليه السلام-، وهاجرت بعد بدر، وكان رسول الله -عليه السلام- زوجها من أبي العاص بن الربيع، وولدت منه غلاما اسمه علي فتوفي وقد ناهز الاحتلام، وكان رديف

                                                [ ص: 381 ] رسول الله -عليه السلام- يوم الفتح، وولدت له أيضا بنتا اسمها أمامة، وكان -عليه السلام- يحبها ويحملها في الصلاة، وكان إذا ركع وسجد تركها وإذا قام حملها.

                                                وأما أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، فاسمه لقيط، وقيل: هشيم، وقيل: مهشم، والأكثر لقيط.

                                                وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة لأبيها وأمها، وهو ابن خالة أولاد رسول الله -عليه السلام- من خديجة -رضي الله عنها-، وكان أبو العاص مصاحبا لرسول الله -عليه السلام- مصافيا، وكان قد أبى أن يطلق زينب بنت رسول الله -عليه السلام- لما أمره المشركون أن يطلقها، فشكر له رسول الله -عليه السلام- ذلك، وكان أبو العاص أسر في غزوة بدر، ولما أطلقه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شرط عليه أن يرسل زينب إلى المدينة، فعاد إلى مكة وأرسلها إلى النبي -عليه السلام- بالمدينة؟ فلهذا قال -عليه السلام-: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي".

                                                وأقام أبو العاص بمكة على شركه حتى كان قبل الفتح فخرج بتجارة إلى الشام ومعه أموال قريش ومعه جماعة منهم، فلما عاد لقيته سرية رسول الله -عليه السلام- أميرهم زيد بن حارثة، فأخذ المسلمون ما في تلك العير من الأموال وأسروا أناسا، وهرب أبو العاص بن الربيع، ثم أتى المدينة ليلا فدخل على زينب فاستجار بها فأجارته، فلما صلى النبي -عليه السلام- صلاة الصبح صاحت زينب: - - - - - - ---أيها الناس--- - - - - - -، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلم رسول الله -عليه السلام- أقبل على الناس وقال: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم، قال: أما والذي نفسي بيده ما علمت بذلك حتى سمعته كما سمعتم، وقال: يجير على المسلمين أدناهم، ثم دخل رسول الله -عليه السلام- على ابنته فقال: أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له، قالت: إنه قد جاء في طلب ماله، فجمع رسول الله -عليه السلام- تلك السرية وقال: إن هذا الرجل منا حيث علمتم، وقد أصبتم له مالا وهو فيء أفاء الله عليكم.

                                                وأنا أحب أن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، فإن أبيتم فأنتم أحق به.

                                                [ ص: 382 ] فقالوا: بل نرده عليه، فردوا عليه ماله أجمع، فعاد إلى مكة وأدى إلى الناس أموالهم، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، والله ما منعني عن الإسلام إلا خوفا أن تظنوا أني آخذ أموالكم.
                                                ثم قدم على رسول الله -عليه السلام- مسلما، وحسن إسلامه، ورد عليه رسول الله -عليه السلام- ابنته زينب -رضي الله عنها- بنكاح جديد.

                                                وقيل: بل بالنكاح الأول، وسيجيء الكلام فيه مستقصى.

                                                وتوفي أبو العاص سنة اثنتي عشرة.

                                                قوله: "بعد ثلاث سنين" وفي رواية ابن ماجه: "بعد سنتين" وكذا قال ابن منده، والكل فيه نظر، بل غير صحيح، وذلك لأن أبا العاص أرسلها بعد بدر في السنة الثانية، وأسلم هو قبل الفتح أول السنة الثامنة، فتكون نحو ست سنين كما وقع كذلك في رواية الترمذي وفي إحدى طرق أبي داود على ما ذكرنا، وهو الصحيح.




                                                الخدمات العلمية