الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6241 6242 6243 6244 6245 ص: وقد روي عن رسول الله -عليه السلام- أيضا ما يدل على فضل الجزور على البقرة وعلى فضل البقرة على الشاة.

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبد الله الأغر ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -عليه السلام-: إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول؛ فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجلسوا يستمعون الذكر فمثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة ثم كالذي يهدي البيضة".

                                                [ ص: 554 ] حدثنا محمد بن خزيمة وفهد ، حدثني قالا: ثنا عبد الله بن صالح ، قال: حدثني الليث ، قال: حدثني ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله -عليه السلام- يقول: مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي بدنة، ثم الذي على إثره كمثل الذي يهدي بقرة، ثم الذي على إثره كالذي يهدي الكبش، ثم الذي على إثره كالذي يهدي دجاجة، ثم الذي على إثره كالذي يهدي البيضة". .

                                                حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني ، قال: ثنا الشافعي قال: ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام- فذكر نحوه.

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا محمد بن المنهال ، قال: ثنا يزيد بن زريع ، قال: ثنا روح بن القاسم ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة عن رسول الله -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج بن المنهال ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-... فذكر مثله.

                                                فلما جعل النبي -عليه السلام- المهجر في أفضل الأوقات كالمهدي بدنة والمهجر في الوقت الذي بعده كالمهدي بقرة والمهجر في الوقت الثالث كالمهدي كبشا؛ ثبت بذلك أن أفضل ما يهدى: الجزور ثم البقرة ثم الكبش.

                                                فلما كانت البدنة أعظم ما يهدى؛ ثبت أنها أعظم ما يضحى به، ولما كانت باتفاقهم لا تجزئ في الأضحية عما فوق السبعة كانت الشاة أحرى أن لا تجزئ عن ذلك، وكما انتفى أن تجزئ الشاة عن ما فوق السبعة ثبت أنها لا تجزئ إلا عن خاص من الناس، وقد أجمعوا على أنها تجزئ عن الواحد فاختلفوا فيما هو أكثر منه فلا يدخل فيما قد ثبت له حكم الخصوص إلا ما قد أجمعوا على دخوله فيه، [فثبت] بما ذكرنا أنه لا يجوز أن يضحى بالشاة الواحدة عن اثنين ولا عن أكثر من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، - رحمهم الله -.

                                                [ ص: 555 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 555 ] ش: دلالة حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري على أفضلية الجزور على البقرة وعلى أفضلية البقرة على الشاة ظاهرة لا مرية فيها كما قد بين الطحاوي ذلك بقوله: "فلما جعل رسول الله -عليه السلام-... إلى آخره، وهو ظاهر.

                                                ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أبي عبد الله الأغر سليمان المدني ، عن أبي هريرة .

                                                وهؤلاء كلهم رجال الصحيح.

                                                وأخرجه مسلم: حدثني أبو الطاهر وحرملة وعمرو بن سواء العامري قال أبو الطاهر: ثنا وقال الآخران: أنا ابن وهب ... إلى آخره نحوه سواء، غير أن في لفظه: "طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر".

                                                الثاني: عن محمد بن خزيمة وفهد بن سليمان كلاهما، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث وشيخ البخاري ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه النسائي: من طريق الليث أيضا ولكنه عن ابن عجلان ، عن سمي، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله -عليه السلام- قال: "تقعد الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم فالناس فيه كرجل قدم بدنة، ورجل قدم بدنة، وكرجل قدم بقرة، وكرجل قدم بقرة، وكرجل قدم شاة، وكرجل قدم

                                                [ ص: 556 ] شاة، وكرجل قدم دجاجة، وكرجل قدم دجاجة، وكرجل قدم عصفورا، وكرجل قدم عصفورا، وكرجل قدم بيضة، وكرجل قدم بيضة".


                                                الثالث: عن المزني ، عن الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه النسائي أيضا أنا محمد بن منصور قال: ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة يبلغ به النبي -عليه السلام-: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على منازلهم؛ الأول فالأول فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة فالمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة، ثم الذي يليه كالمهدي كبشا، حتى ذكر البيضة والدجاجة".

                                                الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن محمد بن المنهال الحافظ شيخ البخاري ومسلم وأبي داود ، عن يزيد بن زريع ، عن روح بن القاسم العنبري البصري ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن بشار بندار، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة ، عن العلاء ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام- قال: "على كل باب من أبواب المسجد يوم الجمعة ملكان يكتبان الأول فالأول، كرجل قدم بدنة، وكرجل قدم بقرة، وكرجل قدم طائرا، وكرجل قدم بيضة، فإذا قعد الإمام - يعني على المنبر - طويت الصحف".

                                                وأخرج حديث أبي سعيد الخدري بإسناد صحيح: عن محمد بن خزيمة ، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق المدني إلى آخره.

                                                [ ص: 557 ] وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا يعقوب نا أبي، عن ابن إسحاق قال: حدثني العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله -عليه السلام- أنه قال: "إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد فيكتبون الناس، من جاء من الناس على منازلهم فرجل قدم جزورا، ورجل قدم بقرة، ورجل قدم شاة ورجل قدم دجاجة، ورجل قدم عصفورا، ورجل قدم بيضة قال: فإذا أذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر طويت الصحف ودخلوا المسجد يستمعون الذكر".

                                                قوله: "فإذا جلس الإمام" أي على المنبر طوت الملائكة الصحف، قيل: هذا يدل على أن الملائكة ها هنا غير الحفظة.

                                                قوله: "يستمعون الذكر" أي الخطبة؛ لأن فيها ذكر الله -تعالى- وتلاوة القرآن.

                                                قوله: "المهجر" بضم الميم وفتح الهاء وكسر الجيم المشددة من التهجير، وهو السير في الهاجرة، حكى ذلكالحربي عن أبي زيد عن الفراء وغيره.

                                                وحكى الخليل أنه التبكير وبه فسروا قوله -عليه السلام-: "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه" أي التبكير إلى كل صلاة.

                                                وذهب أصحاب الشافعي في تأويله [وقالوا]: معناه هجر منزله وتركه.

                                                وقال ابن الأثير: التهجير التبكير إلى كل شيء والمبادرة إليه يقال: هجر يهجر تهجيرا، فهو مهجر وهي لغة حجازية، أراد: المبادرة إلى أول وقت الصلاة.

                                                قوله: "ثم كالذي يهدي بقرة" يحتج به في أن البدن لا تكون إلا من الإبل وحدها.

                                                قوله: "ثم كالذي يهدي الدجاجة ثم كالذي يهدي البيضة".

                                                [ ص: 558 ] احتجت به الظاهرية على أن من لم يقدر على الشاة يتقرب بذبح الدجاجة، فإن لم يقدر فالبيضة فإن ذلك يجزئ عن الأضحية.

                                                وقال عياض: ليس هذان مما يطلق عليه اسم هدي لكنه لما عطفه على ما قبله من الهدايا وجاء به بعده لزمه حكمه في اللفظ وحمل عليه كقوله: "متقلدا سيفا ورمحا" أي: وحاملا رمحا، وكذلك هنا لأنه قال: كالمتقرب بالصدقة بدجاجة أو بيضة وأطلق على ذلك اسم الهدي لتعلقه وتحسين الكلام به، وقد جاء أيضا في الرواية الأخرى كأنما قرب كذا كأنما قرب كذا، وهذا ضرب من التمثيل للأجور ومقاديرها، لا على تمثيل الأجور وشبيهها حتى يكون أجرها كأجر هذا، وتكون الدجاجة في التمثيل بقدر أجرها من أجر البدنة لو كانت هذه مما يهدى وكذا البيضة. والله أعلم.

                                                ***




                                                الخدمات العلمية