الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                7158 7159 7160 ص: وقد سأل الأعراب رسول الله -عليه السلام - فقالوا : ألا نتداوى ؟ فكان جوابه في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : ثنا سفيان ، قال :

                                                [ ص: 165 ] ثنا زياد بن علاقة ، قال : سمعت أسامة بن شريك يقول : "شهدت النبي -عليه السلام - والأعراب يسألونه فقالوا : هل علينا جناح أن نتداوى ؟ فقال : تداووا عباد الله ; إن الله -عز وجل - لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم " .

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : حدثني طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله -عليه السلام - قال : " يا أيها الناس تداووا ، فإن الله -عز وجل - لم يخلق داء إلا خلق له شفاء إلا السام ، ، والسام : الموت " .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - عن رسول الله -عليه السلام - قال : " لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله " .

                                                فأباح لهم رسول الله -عليه السلام - أن يتداووا والكي مما كانوا يتداوون به .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذه الأحاديث أيضا شاهدة لصحة ما ذكره أن الكي إذا كان يوافق الداء يباح استعماله ، ألا ترى أن الأعراب سألوا رسول الله -عليه السلام - فقالوا : "هل علينا جناح أن نتداوى ؟ فأمرهم رسول الله -عليه السلام - بالتداوي وقال : إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم " وفي رواية : "إلا السام وهو الموت " ، فأباح لهم التداوي مطلقا والكي يدخل فيه ; لأنه من جملة ما كانوا يتداوون به ، ولا سيما أهل الوبر ; فإن غالب الطب عندهم بالنار .

                                                وأخرجها عن ثلاثة من الصحابة :

                                                الأول : عن أسامة بن شريك ، وأخرجه بإسناد صحيح ، وأخرجه الأربعة :

                                                فأبو داود : عن حفص بن عمر النمري ، عن شعبة ، عن زياد بن علاقة ، عن أسامة بن شريك ، قال : "لقيت النبي -عليه السلام - وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير ، فسلمت ثم قعدت ، فجاء الأعراب من ها هنا وها هنا فقالوا : يا رسول الله نتداوى ؟ فقال : تداووا ; فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهرم " .

                                                [ ص: 166 ] والترمذي : عن بشر بن معاذ العقدي البصري ، عن أبي عوانة ، عن زياد بن علاقة . . . . بنحوه . وأوله : "قالت الأعراب : يا رسول الله ، ألا نتداوى ؟ " وقال : حسن صحيح .

                                                والنسائي : عن محمد بن عبد الأعلى ، عن خالد بن الحارث ، عن شعبة ، عن زياد بن علاقة نحوه مختصرا .

                                                وابن ماجه : عن أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار ، عن سفيان بن عيينة ، عن زياد بن علاقة نحوه .

                                                الثاني : عن ابن عباس :

                                                أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي ، قال : يحيى فيه : لا شيء ، ضعيف . وقال البخاري : ليس بشيء . وقال : النسائي : متروك الحديث .

                                                وهو يروي عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس .

                                                الثالث : عن جابر بن عبد الله :

                                                أخرجه بإسناد صحيح ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن عبد ربه بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني أخي يحيى بن سعيد ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي ، عن جابر بن عبد الله .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا هارون بن معروف وأبو طاهر وأحمد بن عيسى ، قالوا : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو -هو ابن الحارث - عن عبد ربه بن سعيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله -عليه السلام - أنه قال : "لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى " .

                                                [ ص: 167 ] قوله : "فإذا أصيب دواء الداء " بإضافة الدواء إلى الداء . والدواء بفتح الدال ممدود ، وحكى جماعة -منهم الجوهري - فيه لغة بكسر الدال ، قال عياض : هي لغة الكلابيين وهي شاذة .

                                                وفي هذه الأحاديث :

                                                إثبات الطب والعلاج .

                                                وأن التداوي غير مكروه كما ذهب إليه بعض الناس .

                                                وفيه أنه جعل الهرم داء وإنما هو ضعف الكبر وليس من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان من قبل اختلاف الطبائع وتغير الأمزجة ; وإنما شبه بالداء ; لأنه جالب للتلف كالأدواء التي يعقبها الهلاك ، قال النمر بن تولب :

                                                دعوت ربي بالسلامة جاهدا . . . ليصحني فإذا السلامة داء



                                                يريد أن العمر لما طال به أداه إلى الهرم فصار بمنزلة المريض الذي قد أدلقه المرض .

                                                قلت : وفي هذا الباب عن أنس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن مسعود وأبي خزامة عن أبيه ، وأبي الدرداء وبريدة .

                                                أما حديث أنس - رضي الله عنه - فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا يونس بن محمد ، قال : نا حرب بن ميمون ، قال : سمعت عمران العمي يقول : سمعت أنسا يقول : إن رسول الله -عليه السلام - قال : "إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء ; فتداووا " .

                                                وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري : ثنا محمد بن المثنى ، نا أبو أحمد الزبيري ، نا [عمر] بن سعيد بن أبي حسين ، قال : حدثني عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام - قال : "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء " .

                                                [ ص: 168 ] وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا هاشم بن القاسم ، قال : ثنا شبيب بن شيبة ، قال : نا عطاء بن أبي رباح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي -عليه السلام - قال : "إن الله لم ينزل داء -أو لم يخلق داء - إلا وقد أنزل -أو قد خلق - له دواء ، علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام ، قالوا : يا رسول الله ، وما السام ؟ قال : الموت " .

                                                وأما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجه : من حديث ابن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن ، عن ابن مسعود يبلغ به النبي -عليه السلام - قال : "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله " .

                                                وأما حديث أبي خزامة عن أبيه فأخرجه أبو بكر بن أبي عاصم قال : ثنا الحسن بن علي ، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، نا أبي ، عن صالح بن كيسان ، عن الزهري ، أن أبا خزامة -أحد بني الحارث بن سعد هذيم - أخبره ، عن أبيه : "أنه أتى النبي -عليه السلام - ، فقال : يا رسول الله ، أرأيت دواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل يرد ذلك من قدر الله ؟ قال : إنها من قدر الله " .

                                                قال ابن أبي عاصم : قد اختلفوا فيه ، فقالوا : خزيمة وخزينة وأبو خزانة وأبو خزامة وابن أبي خزامة ، واختلفوا في الرفع والنصب والخفض ، وقال ابن الأثير في ترجمة خزامة بن معمر الليثي ، واختلف على الزهري فيه ، فقيل : خزامة بن معمر عن أبيه ، وقيل : عن أبي خزامة بن زيد بن الحارث ، عن أبيه " .

                                                وأخرجه عبد الله بن أحمد : حدثني أبي ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي خزامة ، عن أبيه قال : "قلت : يا رسول الله -قال سفيان مرة : سألت

                                                [ ص: 169 ] رسول الله -عليه السلام - أرأيت دواء نتداوى به ، ورقى نسترقيها ، وتقاة نتقيها ، أيرد ذلك من قدر الله ؟ قال : إنها من قدر الله "
                                                .

                                                وأخرجه الترمذي : نا ابن أبي عمر ، قال : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي خزامة ، عن أبيه قال : "سألت رسول الله -عليه السلام - قلت : يا رسول الله ، أرأيت رقاة نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هل يرد من قدر الله شيئا ؟ قال : هي من قدر الله " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .

                                                ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي خزامة ، عن أبيه . وقال بعضهم : عن أبي خزامة ، عن أبيه . وقد روى غير ابن عيينة هذا الحديث عن الزهري ، عن أبي خزامة ، عن أبيه .

                                                وهذا أصح ، ولا نعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث .

                                                وقال ابن الأثير : يعمر السعدي سعد هذيم ، ثم من بني الحارث بن سعد ، والحارث أخو عروة بن سعد وكنيته : أبو خرامة ، قاله أبو نعيم ، وقيل : هو والد أبي خزامة . وهو الصواب ، قاله ابن منده .

                                                وقال الحافظ ابن عساكر : يقال : أبو خزامة ، ويقال : والد أبي خزامة ، ويقال : أبو سعد ، ويقال : اسمه الحارث ، وهو أحد بني الحارث بن سعد بن هذيم السعدي .

                                                وأما حديث أبي الدرداء : فأخرجه أبو داود بإسناده إليه ، قال : قال رسول الله -عليه السلام - : "إن الله أنزل الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تداووا بالحرام " .

                                                وأما حديث بريدة فأخرجه ابن أبي عاصم بسند صحيح عنه قال : قال رسول الله -عليه السلام - : "تداووا عباد الله ; فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء " .




                                                الخدمات العلمية