الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5833 5834 ص: حدثنا يونس ، قال : أنا سفيان ، قال : ثنا الزهري ، عن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن ، أخبراه أنهما سمعا النعمان بن بشير يقول : " نحلني أبي غلاما ، فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله -عليه السلام - لأشهده على ذلك ، فقال : أكل ولدك أعطيته ؟ فقال : لا ، قال : فاردده " .

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وعن محمد بن النعمان بن بشير ، فحدثاه عن النعمان بن بشير ، قال : " إن أباه أتى به النبي -عليه السلام - فقال : إنى نحلت ابني هذا غلاما كان لي ، فقال رسول الله -عليه السلام - : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ فقال : لا ، فقال رسول الله -عليه السلام - : فأرجعه " .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذان إسنادان صحيحان ، ورجالهما كلهم رجال الصحيح .

                                                وسفيان هو ابن عيينة .

                                                والزهري هو محمد بن مسلم .

                                                والحديث أخرجه الجماعة غير أبي داود .

                                                فالبخاري : عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك . . . . إلى آخره نحوه .

                                                ومسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، وعن يحيى ، عن إبراهيم بن سعد .

                                                [ ص: 343 ] وعن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وابن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة .

                                                وعن قتيبة ومحمد بن رمح ، عن الليث .

                                                وعن حرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس .

                                                وعن إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، كلهم عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان بن بشير ، عن النعمان .

                                                والترمذي : عن نصر بن علي وسعيد بن عبد الرحمن ، عن سليمان ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان يحدثان ، عن النعمان به .

                                                وقال : حسن صحيح .

                                                والنسائي : عن محمد بن منصور ، عن سفيان ، عن الزهري ، نحوه .

                                                وعن محمد بن سلمة : والحارث بن سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك .

                                                وعن مجاهد : عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، جميعا عن الزهري ، عن حميد وحده ، به .

                                                وابن ماجه : عن هشام بن حماد ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن حميد ومحمد بن النعمان به .

                                                قوله : "نحلني أبي " أي : أعطاني ، وقد ذكرنا أن النحلة والنحلى هي العطية مبتدأة من غير عوض .

                                                [ ص: 344 ] والنعمان : هو ابن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو عبد الله المدني ، صاحب رسول الله -عليه السلام - .

                                                وأبوه : بشير بن سعد ، شهد العقبة الثانية وبدرا وأحدا والمشاهد جميعا ، يقال : إنه أول من بايع أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - يوم السقيفة من الأنصار ، وقتل يوم عين التمر مع خالد بن الوليد بعد انصرافه من اليمامة سنة اثنتي عشرة .

                                                قوله : "فأمرتني أمي " وهي عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة الصحابية ، وهي التي سألت زوجها بشيرا أن يهب ابنها النعمان هبة دون أخويه ففعل ، فقالت له : أشهد على هذا رسول الله -عليه السلام - ، ففعل ، فقال : له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكل بنيك أعطيته مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : فإني [لا] أشهد على جور " .

                                                قوله : "أكل ولدك نحلته " بنصب "كل " على ما عرف في موضعه .

                                                وهذا الحديث قد جاء في مسند بشير بن سعد أيضا والد النعمان .

                                                قال : أبو عمر : روى هشام بن عروة ، عن أبيه قال : حدثني النعمان بن بشير قال : "أعطاه أبوه غلاما ، فقال رسول الله -عليه السلام - ما هذا الغلام ؟ فقال : غلام أعطانيه أبي ، قال : أفكل إخوتك أعطاهم كما أعطاك ؟ قال : لا ، قال : فاردده " .

                                                نفى هذا الخبر أنه خاطب بهذا القول النعمان بن بشير ، حديث ابن شهاب أنه خاطب بذلك أباه بشيرا المعطي ، وهو الأكثر والأشهر .

                                                وهذا الحديث مشتمل على أحكام :

                                                فيه : جواز العطية من الآباء للأبناء ، وهذا في صحة الآباء ، لأن فعل المريض في حال وصيته ، والوصية للوارث باطلة ، وهذا أمر مجمع عليه .

                                                وفيه : التسوية بين الأبناء في العطاء ، وأكثر الفقهاء على أن معنى هذا الحديث

                                                [ ص: 345 ] الندب إلى الخير والبر والفضل ، والدليل على ذلك إجماع العلماء على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده ، وإذا جاز أن يخرج جميع ولده من ماله ; جاز أن يخرج من ذلك بعضهم .

                                                واحتج من يقول أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه بقوله : "فأرجعه " وهو موضع قد اختلف فيه الفقهاء ، وقد مر الكلام فيه مستقصى .




                                                الخدمات العلمية