الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5876 5877 ص: ثم هذا شريح - رضي الله عنه - وهو قاضي عمر 5 وعثمان 5 وعلي الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - قد روي عنه في ذلك ما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن أبي يوسف ، عن عطاء بن السائب ، قال : "سألت شريحا عن رجل جعل داره حبسا على الآخر فالآخر من ولده فقال : إنما أقضي ولست أفتي ، قال : فناشدته فقال : لا حبس عن فرائض الله " .

                                                فهذا لا يسع القضاة جهله ، ولا يسع الأئمة تقليد من يجهل مثله ، ثم لا ينكر عليه منكر من أصحاب رسول الله -عليه السلام - ولا من تابعيهم .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا أيضا تأييدا لصحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه " بأتم منه من حديث الحميدي : ثنا سفيان ، ثنا عطاء بن السائب ، قال : "أتيت شريحا في زمن بشر بن مروان ، فقلت : يا أبا أمية أفتني ، فقال : يا ابن أخي إنما أنا أقضي ولست بمفت ، قلت : إني والله ما جئت أريد خصومة ، إن رجلا من الحي جعل داره حبسا ، قال عطاء : فدخل من الباب الذي في المسجد في المقصورة فسمعته حين دخل وتبعته وهو يقول : فحسب الرجل تقدم إليه الخصومة ، أجب الرجل ، إنه لا حبس عن فرائض الله " .

                                                قوله : "لا حبس عن فرائض الله " أراد أنه لا يوقف مال ولا يزول عن ورثته ولا يمنع عن القسمة بينهم ، والحبس بضم الحاء وفتحها ، فبالضم الاسم ، وبالفتح المصدر ، يقال : حبست أحبس حبسا وأحبست أحبس إحباسا ، أي وقفت .

                                                [ ص: 399 ] فإن قيل : قال ابن حزم : قوله : لا حبس عن فرائض الله قول فاسد ; لأنهم لا يختلفون في جواز الهبة والصدقة في الحياة ، والوصية بعد الموت ، وكل هذه مسقطة لفرائض الورثة .

                                                قلت : لا نسلم أن هذه الأشياء تسقط فرائض الورثة ، أما الهبة والصدقة فإنهما تكونان في حياة الرجل ففي ذلك الوقت لا فرائض للورثة ، فكيف تسقطها ؟ .

                                                وأما الوصية فإنها لا تنفذ إلا في الثلث ، ففرائض الورثة في الثلثين ; فافهم ، بخلاف الحبس فإنه إذا حبس ماله ومات ، فلو فرضنا لزوم هذا الحبس لكان قد أسقط فرائض الورثة .




                                                الخدمات العلمية