الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
73 50 - (72) - (1 \ 11 - 12) عن أنس بن مالك: أن أبا بكر كتب لهم: إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التي أمر الله - عز وجل - بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها، فليعطها، ومن سئل فوق ذلك، فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل، ففي كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين، ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإن لم تكن ابنة مخاض، فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستة وثلاثين، ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستة وأربعين، ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين، ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستة وسبعين، ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين، ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومئة، فإذا زادت على عشرين ومئة، ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة، فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما.

[ ص: 61 ] ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده إلا جذعة، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما.

ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده إلا حقة، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده ابنة لبون، وعنده ابنة مخاض، فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهما.

ومن بلغت عنده صدقته بنت مخاض، وليس عنده إلا ابن لبون ذكر، فإنه يقبل منه، وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع من الإبل، فليس فيها شيء إلا أن يشاء، ربها.

وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين، ففيها شاة إلى عشرين ومئة، فإذا زادت، ففيها شاتان إلى مئتين، فإذا زادت واحدة، ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مئة، فإذا زادت، ففي كل مئة شاة، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس، إلا أن يشاء المتصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة، فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها.

وفى الرقة ربع العشر، فإذا لم يكن المال إلا تسعين ومئة درهم، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.


التالي السابق


* قوله: "إن هذه" : - بكسر إن على الحكاية - ; أي: هذه الصدقات المذكورة فيما سيجيء هي المفروضات من جنس الصدقة.

* "التي أمر الله" : بدل من "التي" الأولى.

[ ص: 62 ] * "فمن سئلها" : على بناء المفعول.

* "على وجهها" : أي: على هذه الكيفية المبينة في هذا الحديث.

* "فليعطها" : على بناء الفاعل، ويحتمل أن الأول على بناء الفاعل، والثاني على بناء المفعول، ويحمل "المسلمين" على هذا: على العاملين على الصدقات، وعلى الأول: على من وجب عليهم الزكاة.

* "فلا يعطه" : أي: الزائدة، أو أصل الواجب; لأنه انعزل بالجور.

* "فيما دون خمس وعشرين" : خبر لمقدر; أي: الغنم.

* وقوله: "ففي كل خمس ذود شاة": تفصيل له، ويحتمل أن قوله: "ففي كل خمس ذود" بدل من قوله: "فيما دون"، فلا تقدير، والمشهور رواية إضافة خمس إلى الذود، وروي بتنوينه على أن الذود بدل منه، والذود - بفتح معجمة وسكون واو بعدها مهملة - : من الثلاثة إلى العشرة، لا واحد له من لفظه، وإنما يقال في الواحد: بعير، وقيل: بل نافية; فإن الذود في الإناث دون الذكور، لكن حملوا في الحديث على ما يعم الذكر والأنثى.

* "ابنة مخاض" : هي التي دخلت في الثانية.

* "فابن لبون" : هو الذي دخل في الثالثة، وتوصيفه بالذكورة مع دلالة الاسم عليها للتأكيد وزيادة البيان، وللتنبيه على أن زيادة السن في مقابلة ما سقط فضل الأنوثة.

* "حقة" : - بكسر مهملة وتشديد قاف - : هي التي دخلت في الرابعة، ومعنى "طروقة الفحل": هي التي طرقها; أي: نزا عليها، والطروقة - بفتح الطاء - : فعولة بمعنى مفعولة.

[ ص: 63 ] * "جذعة" : - بفتحتين - : هي التي دخلت في الخامسة.

* "ففي كل أربعين. . . إلخ" : أي: إذا زاد، يجعل الكل على عدد الأربعينات والخمسينات.

مثلا: إذا زاد واحد على العدد المذكور، يعتبر الكل ثلاث أربعينات وواحدا، والواحد لا شيء فيه، وثلاث أربعينات فيها ثلاث بنات لبون إلى ثلاثين ومئة، وفي ثلاثين ومئة حقة لخمسين، وبنتا لبون لأربعينين، وهكذا، ويظهر التغيير عند زيادة عشرة.

* "وإذا تباين. . . إلخ" : أي: اختلف الأسنان في باب الفريضة بأن يكون المفروض سنا، والموجود عند صاحب المال سنا آخر.

* "فإنها" : أي: الحقة.

* "تقبل منه" : موضع الجذعة مع شاتين أو عشرين درهما، قيل: هذا محمول على أن ذاك كان هو التفاوت بين قيمة الجذعة والحقة في تلك الأيام، والواجب قدر تفاوت القيمتين، لا تعيين ذلك، فاستدل به على جواز أداء القيم في الزكاة، والجمهور على تعيين ذلك القدر برضا صاحب المال، وإلا فليطلب السن الواجب، ولم يجوزوا القيمة.

* "إن استيسرتا" : بأن كانتا في ماشيته مثلا.

* "هرمة" : بفتح فكسر - ; أي: كبيرة السن التي سقطت أسنانها.

* "ولا ذات عوار" : - بفتح، وقد تضم - ، أي: ذات عيب.

* "ولا تيس" : أي: الفحل المعد لضراب الغنم.

* "المصدق" : - بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة - ; أي: العامل على الصدقة، والاستثناء متعلق بالأولين; أي: لا يقبل المعيب إلا إذا رأى فيه مصلحة للفقير، أو - بتخفيف الصاد وفتح الدال المشددة أو بتشديد الصاد والدال

[ ص: 64 ] معا مع كسر الدال - أصله المتصدق، والمراد: صاحب المال، والاستثناء متعلق بالأجر; أي: لا يؤخذ الفحل إلا برضا المالك; لكونه يحتاج إليه، ففي أخذه بغير اختياره إضرار به.

* "ولا يجمع بين متفرق" : هو عند الجمهور على النهي، لا ينبغي لمالكين يجب على مال كل منهما صدقة، ومالهما متفرق; بأن يكون لكل منهما أربعون شاة، فتجب في مال كل شاة واحدة أن يجمعا عند حضور المصدق فرارا عن لزوم الشاة إلى نصفها; إذ عند الجمع يؤخذ من كل المال شاة واحدة، وكذا:

* "ولا يفرق بين مجتمع" : أي: ليس لشريكين مالهما مجتمع بأن يكون لكل منهما مئة شاة وشاة، فيكون عليهما عند الاجتماع ثلاث شياه أن يفرقا مالهما ليكون على كل واحد شاة واحدة فقط، فللخلط عند الجمهور تأثير في زيادة الصدقة ونقصانها، لكن لا ينبغي أن يفعل ذلك فرارا عن زيادة الصدقة، ويمكن توجيه النهي إلى المصدق; أي: ليس له الجمع والتفريق خشية نقصان الصدقة.

* وقوله: "خشية الصدقة": متعلق بالفعلين على التنازع، أو بفعل يعم الفعلين; أي: لا يفعل شيء من ذلك خشية الصدقة، وأما عند أبي حنيفة، فلا أثر للخلطة، فمعنى الحديث عنده على ظاهر النفي على أن النفي راجع إلى القيد، وحاصله نفي الخلطة لنفي الأثر; أي: لا أثر للخلط والتفريق في تقليل الزكاة وتكثيرها; أي: لا يفعل شيء من ذلك خشية الصدقة; إذ لا أثر له في الصدقة.

* "وما كان منه خليطين. . . إلخ" : معناه عند الجمهور: أن ما كان متميزا لأحد الخليطين من المال، فأخذ الساعي من ذلك المتميز، يرجع إلى صاحبه بحصته; بأن كان لكل عشرون، وأخذ الساعي من مال أحدهما، يرجع بقيمة نصف شاة، وإن كان لأحدهما عشرون، وللآخر أربعون مثلا، فأخذ من صاحب عشرين، يرجع إلى صاحب أربعين بالثلاثين، وإن أخذ منه، يرجع على صاحب

[ ص: 65 ] عشرين بالثلث، وعند أبي حنيفة يحمل الخليط على الشريك; إذ المال إذا تميز، فلا يؤخذ زكاة كل إلا من ماله، وأما إذا كان المال بينهما على الشركة بلا تميز، وأخذ من ذلك المشترك، فعنده يجب التراجع بالسوية; أي: يرجع كل منهما على صاحبه بقدر ما يساوي ماله، مثلا: لأحدهما أربعون بقرة، وللآخر ثلاثون، والمال مشترك غير متميز، فأخذ الساعي عن صاحب أربعين مسنة، وعن صاحب ثلاثين تبيعا، وأعطى كل منهما من المال المشترك، فيرجع صاحب أربعين بأربعة أسباع التبيع على صاحب ثلاثين، وصاحب ثلاثين بثلاثة أسباع المسنة على صاحب أربعين.

* "واحدة" : أي: بشاة واحدة، فهو منصوب على نزع الخافض.

* "وفي الرقة" : - بكسر راء وتخفيف قاف - ; أي: في الفضة الخالصة، مضروبة كانت أو لا.

* * *




الخدمات العلمية