الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
17950 [ ص: 72 ] 7931 - (18417) - (4 \ 274 - 275) قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه، حدثني عبد الصمد يعني ابن معقل، قال: سمعت وهبا، يقول: حدثني النعمان بن بشير أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكر الرقيم فقال: " إن ثلاثة نفر كانوا في كهف، فوقع الجبل على باب الكهف، فأوصد عليهم، قال قائل منهم: تذاكروا أيكم عمل حسنة، لعل الله عز وجل برحمته يرحمنا، فقال رجل منهم: قد عملت حسنة مرة: كان لي أجراء يعملون، فجاءني عمال لي، استأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم، فجاءني رجل ذات يوم وسط النهار، فاستأجرته بشرط أصحابه، فعمل في بقية نهاره، كما عمل كل رجل منهم في نهاره كله، فرأيت علي في الذمام أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه، لما جهد في عمله، فقال رجل منهم: أتعطي هذا مثل ما أعطيتني ولم يعمل إلا نصف نهار؟ فقلت: يا عبد الله، لم أبخسك شيئا من شرطك، وإنما هو مالي أحكم فيه ما شئت، قال: فغضب، وذهب، وترك أجره، قال: فوضعت حقه في جانب من البيت ما شاء الله، ثم مرت بي بعد ذلك بقر، فاشتريت به فصيلة من البقر، فبلغت ما شاء الله، فمر بي بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه، فقال: إن لي عندك حقا فذكرنيه حتى عرفته، فقلت: إياك أبغي، هذا حقك، فعرضتها عليه جميعها، فقال: يا عبد الله، لا تسخر بي إن لم تصدق علي، فأعطني حقي، قال: والله ما أسخر بك: إنها لحقك ما لي منها شيء: فدفعتها إليه جميعا. اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك، فافرج عنا. قال: فانصدع الجبل حتى رأوا منه، وأبصروا. قال الآخر: قد عملت حسنة مرة كان لي فضل، فأصابت الناس شدة، فجاءتني امرأة تطلب مني معروفا، قال: فقلت: والله ما هو دون نفسك، فأبت علي، فذهبت، ثم رجعت، فذكرتني بالله، فأبيت عليها وقلت: لا والله ما هو [ ص: 73 ] دون نفسك، فأبت علي، وذهبت، فذكرت لزوجها، فقال لها: أعطيه نفسك، وأغني عيالك، فرجعت إلي، فناشدتني بالله، فأبيت عليها، وقلت: والله ما هو دون نفسك، فلما رأت ذلك أسلمت إلي نفسها، فلما تكشفتها، وهممت بها، ارتعدت من تحتي، فقلت لها: ما شأنك؟ قالت: أخاف الله رب العالمين، قلت: لها خفتيه في الشدة، ولم أخفه في الرجاء. فتركتها وأعطيتها ما يحق علي بما تكشفتها. اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك، فافرج عنا. قال: فانصدع حتى عرفوا وتبين لهم. قال الآخر: عملت حسنة مرة، كان لي أبوان شيخان كبيران، وكانت لي غنم، فكنت أطعم أبوي وأسقيهما، ثم رجعت إلى غنمي، قال: فأصابني يوما غيث حبسني، فلم أبرح حتى أمسيت، فأتيت أهلي وأخذت محلبي، فحلبت وغنمي قائمة، فمضيت إلى أبوي، فوجدتهما قد ناما، فشق علي أن أوقظهما وشق علي أن أترك غنمي، فما برحت جالسا، ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح، فسقيتهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك، فافرج عنا " قال النعمان: لكأني أسمع هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، " قال الجبل: طاق، ففرج الله عنهم ، فخرجوا".

التالي السابق


* قوله: "يذكر الرقيم": المذكور في قوله تعالى: أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا [الكهف: 9] ومقتضى الحديث: أن الرقيم هو أمر من التذكر لكهف أو جبل، والله تعالى أعلم.

* "فأوصد ": أي: سد الباب.

* "تذكروا": حذف النون تخفيفا، والخبر بمعنى الأمر.

* "الذمام": - بكسر الذال المعجمة وفتحها - : الحق والحرمة، وقيل: الذمة والذمام بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق.

* "لما جهد": كسمع؛ أي: تعب.

* "لم أبخسك ": من البخس بمعنى: النقص.

[ ص: 74 ] * "فمر بي": أي: ذلك الأخير الذي ترك حقه.

* "إن كنت تعلم": ليس للشك في علمه تعالى، وإنما هو للشك في كونه أخلص لله تعالى أم لا، وقد سقط "تعلم" من بعض النسخ كما هو في كلام الآخرين.

* "فانصدع": أي: انشق.

* "ارتعدت ": على بناء الفاعل، أي: اضطربت.

* "خفتيه ": - بالياء - للإشباع.

* "محلبي ": ضبط - بكسر الميم - .

* * *




الخدمات العلمية