الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19036 8355 - (19530) - (4 \ 395) عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع فقال: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل بالنهار وعمل النهار بالليل ".

[ ص: 425 ]

التالي السابق


[ ص: 425 ] * قوله: "قام فينا. . . إلخ": أي: قام خطيبا فينا، مذكرا بأربع كلمات، فقوله: "فينا" و"بأربع" حالان مترادفان، أو متداخلان، ويحتمل أن يكون "فينا" متعلقا بـ"قام فينا" على تضمين معنى خطب، و"بأربع" حالا؛ أي: خطب فينا قائما مذكرا بأربع كلمات، والقيام على الوجهين على ظاهره، ويحتمل أن يكون "بأربع" متعلقا بقام، و"فينا" بيانا، أو القيام على هذا من قام بالأمر: إذا تشمر وتجلد له؛ أي: تشمر بحفظ هذه الكلمات، وكأن السامع حين سمع ذلك قال: في حق من؟ أجيب: فينا؛ أي: في حقنا، كذا ذكره الطيبي.

قلت: وعلى الوجه الثالث لو جعل "فينا" متعلقا بقام من غير اعتبار سؤال؛ أي: قام بأربع كلمات في حقنا، ولأجل انتفاعنا، كان صحيحا، والأقرب أن المعنى: قام فيما بيننا بتبليغ أربع كلمات؛ أي: بسببه، فالجاران متعلقان بالقيام، وهو على ظاهره، ولك أن تجعل القيام من قام بالأمر، وتجعل "فينا" بمعنى: فيما بيننا متعلقا به أيضا، فالوجوه ستة، وزعم الطيبي أنها ثلاثة.

* "بأربع": أي: بأربع كلمات، وجاء في بعض الروايات: "بخمس كلمات" والمراد بالكلمة: الجملة المركبة المفيدة، ففي هذه الرواية اختصار، والكلمة الخامسة: "حجابه النور".

* "لا ينام": إذ النوم لاستراحة القوى والحواس، وهي على الله تعالى محال.

* "ولا ينبغي لى": أي: لا يصح ولا يستقيم له النوم، فالكلمة الأولى للدلالة على عدم صدور النوم، والثانية للدلالة على استحالته عليه تعالى، ولا يلزم من عدم الصدور استحالته، فلذلك ذكرت الكلمة الثانية بعد الأولى.

* "يخفض القسط ويرفعه": قيل: أريد بالقسط: الرزق؛ لأنه قسط كل مخلوق؛ أي: نصيبه، وخفضه: تقليله، ورفعه: تكثيره.

[ ص: 426 ] وقيل: القسط: الميزان؛ لأنه يقع به المعدلة في القسمة، والمعنى: أن الله تعالى يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه، وأرزاقهم النازلة من عنده؛ كما يرفع الوزان يده ويخفضها عند الوزن.

وقيل: هو إشارة إلى أنه يحكم بين خلقه بميزان العدل، فأمره كأمر الوزان الذي يخفض يده ويرفعها، وهذا أنسب بما قبله؛ كأنه قيل: كيف يجوز عليه النوم، وهو الذي يتصرف أبدا في ملكه بميزان العدل؟!

* "يرفع إليه": أي: للعرض عليه، وإن كان هو تعالى أعلم به؛ ليأمر ملائكته بإمضاء ما قضى لفاعله جزاء له على فعله، أو رفع إلى خزائنه ليحفظ إلى يوم الجزاء.

* * *




الخدمات العلمية