الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
20615 8977 - (21118) - (5\118 - 119) عن ابن عباس، قال: كنا عنده، فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس موسى بني إسرائيل، وكان ابن عباس متكئا، فاستوى جالسا، فقال: كذلك يا سعيد؟ قلت: نعم، أنا سمعته يقول ذاك، فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " رحمة الله علينا وعلى صالح رحمة الله علينا وعلى أخي عاد "، ثم قال: "إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم، إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، وأوحى الله إليه: إن في الأرض من هو أعلم منك، وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا، فإذا فقدته، فهو حيث تفقده، فتزود حوتا مالحا، فانطلق هو وفتاه، حتى إذا بلغ المكان الذي أمروا به، فلما انتهوا إلى الصخرة، انطلق موسى يطلب، ووضع فتاه الحوت على الصخرة، واضطرب فاتخذ سبيله في البحر سربا قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا، فأصابهم [ ص: 339 ] ما يصيب المسافر من النصب، والكلال، ولم يكن يصيبه ما يصيب المسافر من النصب، والكلال حتى جاوز ما أمر به، فقال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال له فتاه: يا نبي الله، أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت أن أحدثك وما أنسانيه إلا الشيطان فاتخذ سبيله في البحر سربا قال: ذلك ما كنا نبغ فرجعا على آثارهما قصصا، يقصان الأثر حتى إذا انتهيا إلى الصخرة، فأطاف بها، فإذا هو مسجى بثوب له، فسلم عليه فرفع رأسه، فقال له: من أنت؟ قال: موسى، قال: من موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: أخبرت أن عندك علما، فأردت أن أصحبك قال إنك لن تستطيع معي صبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال: قد أمرت أن أفعله، قال ستجدني إن شاء الله صابرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرج من كان فيها، وتخلف ليخرقها، قال: فقال له موسى: تخرقها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر، وفيهم غلام ليس في الغلمان غلام أنظف، يعني منه، فأخذه فقتله، فنفر موسى عند ذلك، وقال: أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال: فأخذته ذمامة من صاحبه، واستحيا، فقال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية لئاما استطعما أهلها وقد أصاب موسى جهد فلم يضيفوهما، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض، فأقامه قال له موسى: مما نزل بهم من الجهد: لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك .

[ ص: 340 ]

فأخذ موسى بطرف ثوبه، فقال: حدثني، فقال: أما السفينة، فكانت لمساكين يعملون في البحر وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا فإذا مر عليها، فرآها منخرقة، تركها، ورقعها أهلها بقطعة خشبة، فانتفعوا بها، وأما الغلام، فإنه كان طبع يوم طبع كافرا، وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه، ولو أطاعاه، لأرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ووقع أبوه على أمه، فعلقت، فولدت منه خيرا منه زكاة وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا
".

التالي السابق


* قوله : "وعلى أخي عاد": بإضافة الأخ إلى عاد كما في قوله تعالى: واذكر أخا عاد [الجاثية: 21] والمراد: هود.

* وقوله: "قال: قد أمرت أن أفعله": من كلام الخضر؛ أي: أنا مأمور بفعله، وأنت لا تعرف حقيقته، فلست أنا بتارك له مراعاة لك، ولست أنت بصابر عليه ما لم تعرف حقيقته.

* "ولا ترهقني": أي: لا تحملني.

* "ذمامة": بفتح الذال المعجمة - أي: حياء؛ حيث تكرر منه الخلاف.

* "لئاما": جمع لئيم؛ ككرام جمع كريم.

* "جهد": كتعب وزنا ومعنى.

* "مما نزل بهم من الجهد": أي: لأجل ذلك، وهو علة للقول.

* "طبع يوم طبع كافرا ": قيل: بمعنى علم الله تعالى منه أنه إن بلغ يكون كافرا، والله تعالى أعلم.

* "فعلقت": من علق؛ كعلم؛ أي: حبلت.

* * *




الخدمات العلمية