الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
10625 4771 - (11008) - (3\4 - 5) عن أبي سعيد الخدري، قال: بعث علي من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهبة في أديم مقروظ، لم تحصل من ترابها، فقسمها

[ ص: 342 ]

رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة: بين زيد الخير، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وعلقمة بن علاثة، أو عامر بن الطفيل - شك عمارة - فوجد من ذلك بعض أصحابه والأنصار وغيرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تتمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر من السماء صباحا ومساء "، ثم أتاه رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، مشمر الإزار، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا رسول الله، قال: فرفع رأسه إليه، فقال: " ويحك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله أنا؟ " ثم أدبر، فقال خالد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلعله يكون يصلي " فقال: إنه رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم "، ثم نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقف، فقال: " ها إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".


التالي السابق


* قوله : " بذهبة"؛ في "القاموس": الذهب: التبر، ويؤنث، واحدته بهاء ، وكأنه كنى بالوحدة عن القلة.

* "في أديم"؛ أي: جلد أحمر أو مدبوغ.

* "مقروض": هكذا في النسخ؛ أي: مقطوع، والمراد: في قطعة من جلد، ذكره للدلالة على قلة الذهب، وقيل: ولعله مقروظ؛ أي: مدبوغ بالقرظ، قلت: هو كذلك في مسلم.

* "لم تحصل": على بناء المفعول؛ من التحصيل؛ أي: مخلوطة بترابها، غير مميزة منه.

[ ص: 343 ]

* "ابن علاثة": بضم العين المهملة وتخفيف اللام وثاء مثلثة.

* "فوجد"؛ أي: غضب.

* "ألا تتمنوني": ضبط بتشديد التاء الثانية، على أن أصله تأتمنوني - بهمزة

ثم تاء - ؛ من الائتمان: افتعال من الأمانة، قلبت الهمزة تاء، ثم أدغمت في تاء الافتعال كما في اتزر من الإزار، وقد أنكر مثل هذا أهل اللغة والصرف، وقالوا: الصواب إثبات الهمز.

قلت: والأقرب أنه تأمنوني كما في "مسلم"، إلا أنه كتب الهمزة بصورة الياء، فزعم زاعم أنه التاء المشددة، والله تعالى أعلم.

* "غائر العينين": من الغور، وهو الذهاب إلى الباطن.

* "مشرف الوجنتين": الوجنة - مثلثة الواو - : لحم الخد.

* "ناشز الجبهة"؛ أي: مرتفعها.

* "كث اللحية": بفتح الكاف وتشديد المثلثة؛ أي: كبيرها.

* قوله : "أحق أهل الأرض": لأنه أعلمهم، والتقوى على قدر العلم، ثم أحق - بالرفع - مبتدأ، خبره "أنا"، والجملة خبر "ألست".

* "فقال خالد": قد جاء أن عمر استأذن في قتله، ولا منافاة؛ لجواز استئذان

كل منهما على حدة.

* "يكون يصلي"؛ أي: لعله يظهر الإسلام العاصم لدمه، ظاهره: أنه

ما استحق القتل بهذا الفعل.

* "أن أنقب": بتشديد القاف؛ أي: أمرت بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.

* "وهو مقف": بتشديد فاء مكسورة؛ أي: مول؛ أي: أعطانا قفاه.

[ ص: 344 ]

* "ها إنه": "ها" حرف تنبيه.

* "من ضئضئ": بكسر ضادين معجمتين بينهما همزة ساكنة، وآخره همزة، وهو أصل الشيء، وجوز بعضهم إهمال الصادين، وهو صحيح لغة، والمعنى واحد، والمراد: قبيلته.

* "لا يجاوز حناجرهم"؛ أي: بالصعود إلى محل القبول، أو بالنزول إلى القلب؛ ليؤثر فيه.

* "يمرقون": يخرجون.

* "من الرمية": بفتح راء وتشديد ياء؛ أي: البهيمة التي ترمى؛ أي: الصيد.

* * *




الخدمات العلمية