الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        7224 - حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا عبيد الله بن معاذ ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي مجلز ، عن أنس بن مالك قال : لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، دعا القوم ، فطعموا ، ثم جلسوا يتحدثون ، فأخذ كأنه يتهيأ للقيام ، فلم يقوموا .

                                                        فلما رأى ذلك قام ، وقام من قام معه القوم ، وقعد الثلاثة .

                                                        ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليدخل ، فإذا القوم جلوس ، ثم إنهم قاموا وانطلقوا .

                                                        فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا ، فجاء فدخل ، وأنزلت آية الحجاب : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن ، الآية
                                                        .

                                                        قال أبو جعفر : فكن أمهات المؤمنين قد خصصن بالحجاب ، ما لم يجعل فيه سائر الناس مثلهن .

                                                        فإن قال قائل : فقد قال الله عز وجل : وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، ثم قال : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن ، فجعل ما ملكت أيمانهن كذي الرحم المحرم فيهن .

                                                        قيل له : ما جعلهن كذلك ، ولكنه ذكر جماعة مستثنين من قوله عز وجل : ولا يبدين زينتهن ، فذكر البعول ، وذكر الآباء ، ومن ذكر معهم مثل ما ذكره أو ما ملكت أيمانهن .

                                                        فلم يكن جمعه بينهم بدليل على استواء أحكامهم ؛ لأنا قد رأينا البعل قد يجوز له أن ينظر من امرأته إلى ما لا ينظر إليها أبوها منها .

                                                        ثم قال : أو ما ملكت أيمانهن فلا يكون ضمه أولئك مع ما قبلهم ، بدليل أن حكمهم مثل حكمهم .

                                                        ولكن الذي أبيح بهذه الآية للمملوكين من النظر إلى النساء ، إنما هو ما ظهر من الزينة ، وهو الوجه والكفان .

                                                        وفي إباحته ذلك للمملوكين ، وليسوا بذوي أرحام محرمة ، دليل أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرمة من النساء في ذلك كذلك .

                                                        وقد بين هذا المعنى ما في حديث عبد بن زمعة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة : ( احتجبي منه ) ، فأمرها بالحجاب منه وهو ابن وليدة أبيها ، وليس يخلو أن يكون أخاها ، أو ابن وليدة أبيها ، فيكون مملوكا لها ، ولسائر ورثة أبيها .

                                                        [ ص: 335 ] فعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجبها منه ؛ لأنه أخوها ، ولكن لأنه غير أخيها ، وهو في تلك الحال مملوك ، فلم يحل له - برقه - النظر إليها .

                                                        فقد ضاد هذا الحديث ، حديث أم سلمة ، وخالفه ، وصارت الآية التي ذكرنا على قول هذا الذاهب إلى حديث سودة أنها على سائر النساء دون أمهات المؤمنين ، وأن عبيد أمهات المؤمنين كانوا في حكم النظر إليهن في حكم القرباء منهن الذين لا رحم بينهم وبينهن ، لا في حكم ذوي الأرحام منهن المحرمة .

                                                        وكل من كان بينه وبينهن محرمة فهو عندنا في حكم ذوي الأرحام المحرمة في منع ما وصفنا .

                                                        ثم رجعنا إلى النظر ؛ لنستخرج به من القولين قولا صحيحا .

                                                        فرأينا ذا الرحم لا بأس أن ينظر إلى المرأة التي هو لها محرم إلى وجهها ، وصدرها ، وشعرها ، وما دون ركبتها .

                                                        ورأينا القريب منها ينظر إلى وجهها وكفيها فقط .

                                                        ثم رأينا العبد حرام عليه - في قولهم جميعا - أن ينظر إلى صدر المرأة مكشوفا ، أو إلى ساقيها ، سواء كان رقه لها أو لغيرها .

                                                        فلما كان فيما ذكرنا ، كالأجنبي منها ، لا كذي رحمها المحرم عليها كان في النظر إلى شعرها أيضا كالأجنبي لا كذي رحمها المحرم عليها .

                                                        فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

                                                        وقد وافقهم في ذلك من المتقدمين الحسن ، والشعبي .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية