الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن الليث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله { أن النبي [ ص: 37 ] صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين } ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه باع بعيرا له بأربعة أبعرة مضمونة عليه بالربذة .

( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن صالح بن كيسان عن الحسن بن محمد بن علي أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه باع بعيرا يقال له عصيفير بعشرين بعيرا إلى أجل .

( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة ( قال الشافعي ) : أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سأل عن بعير ببعيرين إلى أجل فقال لا بأس به ( قال الشافعي ) : أخبرنا ابن علية إن شاء الله شك الربيع عن سلمة بن علقمة شككت عن محمد بن سيرين أنه سأل عن بيع الحديد بالحديد فقال الله أعلم أما هم فكانوا يتبايعون الدرع بالأدراع .

( قال الشافعي ) : ولا بأس بالبعير بالبعيرين مثله وأكثر يدا بيد ونسيئة فإذا تنحى عن أن يكون في معنى ما لا يجوز الفضل في بعضه على بعض فالنقد منه والدين سواء .

ولا بأس باستسلاف الحيوان كله إلا الولائد وإنما كرهت استسلاف الولائد ; لأن من استسلف أمة كان له أن يردها بعينها فإذا كان له أن يردها بعينها وجعلته مالكا لها بالسلف جعلته يطؤها ويردها وقد حاط الله جل ثناؤه ثم رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم المسلمون الفروج فجعل المرأة لا تنكح والنكاح حلال إلا بولي وشهود ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخلو بها رجل في حضر أو سفر ولم يحرم ذلك في شيء مما خلق الله غيرها جعل الأموال مرهونة ومبيعة بغير بينة ولم يجعل المرأة هكذا حتى حاطها فيما أحل الله لها بالولي والشهود ففرقنا بين حكم الفروج وغيرها بما فرق الله ورسوله ثم المسلمون بينهما .

وإذا باع الرجل غنما بدنانير إلى أجل فحلت الدنانير فأعطاه بها غنما من صنف غنمه أو غير صنفها فهو سواء ولا يجوز إلا أن يكون حاضرا ولا تكون الدنانير والدراهم في معنى ما ابتيع به من العروض فلا يجوز بيعه حتى يقبض ولا بأس بالسلف في الحيوان كله بصفة وأجل معلوم والسلف فيها اشتراء لها وشراؤها غير استلافها فيجوز ذلك في الولائد ولا خير في السلف إلا أن يكون مضمونا على المسلف مأمونا في الظاهر أن يعود .

ولا خير في أن يسلف في ثمر حائط بعينه ولا نتاج ماشية بعينها ; لأن هذا يكون ولا يكون ، ومن سلف في عرض من العروض أو شيء من الحيوان فلما حل أجله سأله بائعه أن يشتريه منه بمثل ثمنه أو أقل أو أكثر أو بعرض كان ذلك العرض مخالفا له أو مثله فلا خير في أن يبيعه بحال ; لأنه بيع ما لم يقبض .

وإذا سلف الرجل في عرض من العروض إلى أجل فعجل له المسلف قبل محل الأجل فلا بأس ولا خير في أن يعجله له على أن يضع عنه ولا في أن يعجله على أن يزيده المسلف ; لأن هذا بيع يحدثانه غير البيع الأولى ولا خير في أن يعطيه من غير الصنف الذي سلفه عليه ; لأن هذا بيع يحدثه وإنما يجوز أن يعطيه من ذلك الصنف بعينه مثل شرطهما أو أكثر فيكون متطوعا ، وإن أعطاه من ذلك الصنف أقل من شرطه على غير شرط فلا بأس كما أنه لو فعل بعد محله جاز ، وإن أعطاه على شرط فلا خير فيه ; لأنه ينقصه على أن يعجله وكذلك لا يأخذ بعض ما سلفه فيه وعرضا غيره ; لأن ذلك بيع ما لم يقبض بعضه ومن سلف في صنف فأتاه المسلف من ذلك الصنف بأرفع من شرطه فله قبضه منه ، وإن لم يفعل فهو شراء ما لم يعلم كأنه سلفه على صاع إلا أن يتفاسخا البيع الأول ويشتري هذا شراء جديدا ; لأنه إذا لم يفعل فهو شراء ما لم يعلم كأنه سلفه على صاع عجوة جيدة فله أدنى الجيد فجاءه بالغاية من الجيد وقال زدني شيئا فاشترى منه الزيادة والزيادة غير معلومة لا هي كيل زاده فيزيده ولا هي منفصلة من البيع الأول فيكون إذا زاده اشترى ما لا يعلم واستوفى ما لا يعلم وقد قيل إنه لو أسلفه في عجوة فأراد أن يعطيه صيحانيا مكان العجوة لم يجز ; لأن هذا بيع العجوة بالصيحاني قبل أن تقبض وقد { نهى [ ص: 38 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يقبض } .

وهكذا كل صنف سلف فيه من طعام أو عرض أو غيره له أن يقبضه أدنى من شرطه وأعلى من شرطه إذا تراضيا ; لأن ذلك جنس واحدة وليس له أن يقبض من غير جنس ما سلف فيه ; لأنه حينئذ بيع ما اشترى قبل أن يستوفيه ( قال ) : ولا يأخذ إذا سلف في جيد رديئا على أن يزداد شيئا والعلة فيه كالعلة في أن يزيده ويأخذ أجود ، وإذا أسلف رجل رجلا في عرض فدفع المسلف إلى المسلف ثمن ذلك العرض على أن يشتريه لنفسه ويقبضه كرهت ذلك فإذا اشتراه وقبضه برئ منه المسلف وسواء كان ذلك ببينة أو بغير بينة إذا تصادقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية