الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) وإذا كان للدم وليان فحكم لهما بالقصاص أو لم يحكم حتى قال أحدهما : قد عفوت القتل لله أو قد عفوت عنه أو قد تركت الاقتصاص منه أو قال القاتل : اعف عني فقال قد عفوت عنك فقد بطل القصاص عنه وهو على حقه من الدية وإن أحب أن يأخذه به أخذه ; لأن عفوه عن القصاص غير عفوه عن المال إنما هو عفو أحد الأمرين دون الآخر قال الله تعالى { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } يعني من عفي له [ ص: 14 ] عن القصاص .

( قال الشافعي ) ولو قال قد عفوت عنك القصاص والدية لم يكن له قصاص ولم يكن له نصيب من الدية ولو قال قد عفوت ما لزمك لي لم يكن هذا عفوا للدية وكان عفوا للقصاص وإنما كان عفوا للقصاص دون المال ولم يكن عفوا للمال دون القصاص ولا لهما ; لأن الله عز وجل حكم بالقصاص ، ثم قال { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف } فاعلم أن العفو مطلقا إنما هو ترك القصاص ; لأنه أعظم الأمرين وحكم بأن يتبع بالمعروف يؤدي إليه المعفو له بإحسان وقوله ما يلزمك لي على القصاص اللازم كان له وهو محكوم عليه إذا عفي له عن القصاص بأن يؤدي إليه الدية حتى يعفوها صاحبها ولو قال قد عفوت عنك الدية لم يكن هذا عفوا له عن القصاص ; لأنه ما كان مقيما على القصاص فالقصاص له دون الدية وهو لا يأخذ القصاص والدية ، وكذلك لو قال قد عفوت عن الدية ، ثم مات القاتل فإن له أخذ الدية ; لأنه عفا عنها وليست له إنما تكون له بعد عفوه عن القصاص ، وإن عفا الولي عن الدية والقصاص وعليه دين جاز عفوه ، ولو عفاهما في مرضه الذي مات فيه كان عفوه جائزا وكان عفوه حصته من الدية وصية .

( قال الشافعي ) ولو كان للمقتول وليان فعفا أحدهما القصاص لم يكن للباقي إلا الدية ، وإن كان محجورا فعفاها فعفوه باطل وليس لوليه إلا أخذها من القاتل ، ولو عفاها وليه كان عفوه باطلا ، وكذلك لو صالح وليه منها على شيء ليس بنظر له لم يجز له من ذلك إلا ما يجوز له من البيع والشراء عليه على وجه النظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية