الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه هذا المال رواه النسائي

                                                            التالي السابق


                                                            الحديث السادس .

                                                            وعن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه هذا المال (فيه) فوائد : (الأولى) رواه النسائي عن يعقوب عن إبراهيم الدورقي عن أبي ثميلة يحيى بن واضح عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من طريق زيد بن الحباب عن الحسين بن واقد ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ورواه ابن حبان أيضا من طريق علي بن حسين بن واقد عن أبيه .

                                                            (الثانية) الحسب بفتح السين أصله الشرف بالآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم وجمعه أحساب وقوله الذين يذهبون إليه كذا وقع في أصلنا من مسند الإمام أحمد وصوابه الذي يذهبون إليه وكذا رواه النسائي وابن حبان والحاكم والوجه أن أحساب أهل الدنيا التي يذهبون إليها فيؤتى بوصف [ ص: 20 ] الأحساب مؤنثا ؛ لأن الجموع مؤنثة وكأنه روعي في التذكير المعنى دون اللفظ وأما الذين فلا يظهر له وجه ؛ لأنه ليس وصفا لأهل الدنيا وإنما هو وصف لأحسابهم إلا أن يكون اكتسب ذلك منه للمجاورة كاكتساب الإعراب من المجاور في قوله تعالى .

                                                            وأيديكم إلى المرافق وفي قوله جحر ضب خرب في أمثلة لذلك معروفة .

                                                            (الثالثة) هذا الحديث يحتمل أن يكون خرج مخرج الذم لذلك ؛ لأن الأحساب إنما هي بالإنسان لا بالمال فصاحب النسب العالي هو الحسيب ، ولو كان فقيرا والوضيع في نسبه ليس حسيبا ولو كان ذا مال ويحتمل أن يكون خرج مخرج التقرير له والإعلام بصحته وإن تفاخر الإنسان بآبائه الذين انقرضوا مع فقره لا يحصل له حسب وإنما يكون حسبه وشرفه بماله فهو الذي يرفع شأنه في الدنيا وإن لم يكن طيب النسب ، ويدل للاحتمال الثاني ما رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم في مستدركه من حديث قتادة عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسب المال والكرم التقوى قال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

                                                            وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين وقد ذكر بعضهم أن الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن لهم آباء لهم شرف ، والشرف المجد لا يكونان إلا بالآباء . وروى الحاكم في مستدركه من حديث مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كرم المرء دينه ومروءته عقله وحسبه خلقه وقال هذا الحديث صحيح على شرط مسلم .



                                                            (الرابعة) ويترتب على هذين الاحتمالين أن المال هل هو معتبر في كفاءة النكاح حتى لا يكون الفقير كفؤا للغنية أو ليس معتبرا فإن الحسب ليس هو المال وإنما هو النسب إن جعلناه ذما دل على أن المال غير معتبر وإن جعلناه تقريرا اعتبرناه وفي ذلك خلاف لأصحابنا الشافعية والأصح عندهم عدم اعتباره ، وقد فهم النسائي من هذا الحديث هذا المعنى في الجملة فأورده في سننه في كتاب النكاح وبوب عليه الحسب وإذا قلنا باعتبار اليسار في الكفاءة فهل المعتبر يسار بقدر المهر والنفقة فإذا أيسر به فهو كفؤ لصاحبة الألوف أو لا يكفي ذلك بل الناس أصناف غني ومتوسط [ ص: 21 ] وفقير وكل صنف أكفاء وإن اختلفت المراتب في ذلك لأصحابنا وجهان أصحهما عندهم الثاني ، وذكر القاضي حسين في فتاويه أنه لو زوج بنته البكر بمهر مثلها رجلا معسرا بغير رضاها لم يصح النكاح على المذهب لبخس حقها كتزويجها بغير كفؤ .




                                                            الخدمات العلمية