الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن عروة قال سأل رجل عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته ؟ قالت نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته رواه البخاري مختصرا من رواية الأسود قلت لعائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله وللترمذي في الشمائل كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الرابع) وعن عروة قال سأل رجل عائشة رضي الله عنها هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته قالت نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته رواه البخاري مختصرا كان يكون في مهنة أهله (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) رواه البخاري والترمذي من طريق إبراهيم عن الأسود سئلت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة وفي لفظ للبخاري خرج إلى الصلاة وفي لفظ له فإذا سمع الأذان خرج وروى الترمذي في الشمائل من رواية يحيى بن سعيد عن عمرة قالت قيل لعائشة ماذا ؟ كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته قالت : كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه .

                                                            (الثانية) قوله (يخصف نعله) بالخاء المعجمة والصاد المهملة أي يخرزها طاقة على الأخرى من الخصف وهو الضم والجمع .



                                                            (الثالثة) (المهنة) بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح النون وحكى فيه أبو زيد والكسائي وغيرهما كسر الميم أيضا ، وأنكره [ ص: 181 ] الأصمعي وكان القياس لو قيل مثل جلسة وخدمة إلا أنه جاء على فعلة واحدة ، وقال في النهاية الرواية بفتح الميم وقد تكسر .

                                                            وقال الزمخشري : وهو عند الإثبات خطأ وحكى في المشارق عن شمر أنه أنكر الفتح وصحح الكسر ، وحكى في المحكم الوجهين من غير ترجيح وزاد فيه لغتين أخريين (إحداهما) المهنة بفتح الميم والهاء .

                                                            (والثانية) المهنة بفتح الميم وكسر الهاء ، والمشهور أنها الخدمة وبه جزم صاحبا الصحاح والنهاية وفي صحيح البخاري في نفس الحديث في مهنة أهله يعني خدمة أهله ، وقال في المشارق أي عملهم وخدمتهم وما يصلحهم ، وقال في المحكم هي الحذق بالخدمة والعمل .



                                                            (الرابعة) فيه بيان تواضعه عليه الصلاة والسلام والمهنة المذكورة في رواية البخاري مفسرة بما في رواية أحمد من خصف نعله وخياطة ثوبه ، وبما في رواية الترمذي في الشمائل من فل ثوبه وحلب شاته وخدمة نفسه أما خدمة أهله في الحاجات المختصة بهن فهو غير مراد في الحديث فيما يظهر ولا يمكن لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن السكوت عن ذلك والموافقة عليه ، وقد رجح أصحابنا الشافعية في الزوجة التي يجب إخدامها أن الزوج لو قال أنا أخدمها لتسقط مؤنة الخادم عني ليس له ذلك ، وعللوه بأنها تستحي منه وتعير به ، وقال بعض أصحابنا له ذلك وبه قال أبو إسحاق المروزي واختاره الشيخ أبو حامد وقال القفال وغيره له ذلك فيما لا يستحى منه كغسل الثوب واستقاء الماء وكنس البيت والطبخ دون ما يرجع إلى خدمتها كصب الماء على يدها وحمله إلى المستحم انتهى .

                                                            فإذا قيل مثل هذا في الآحاد فكيف في حقه صلى الله عليه وسلم وفي الشمائل لأبي الحسن الضحاك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في صفته عليه الصلاة والسلام متواضع في غير مذلة قال ابن بطال : وفيه أن الأئمة والعلماء يتناولون خدمة أمورهم بأنفسهم ، وأن ذلك من فعل الصالحين .

                                                            (الخامسة) بوب عليه البخاري في صحيحه من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج قال ابن بطال لما لم يذكر في هذا الحديث أنه أزاح عن نفسه هيئة مهنة دل على أن المرء له أن يصلي مشمرا ، وكيف كان من حالاته ؛ لأنه إنما يكره له التشمير وكف الشعر والثياب إذا كان يقصد ذلك للصلاة ، وكذلك قال مالك رحمه الله : إنه لا بأس أن يقوم إلى [ ص: 182 ] الصلاة على هيئة جلوسه وبذلته (قلت) ليس في الحديث أنه كان يخرج إلى الصلاة بهيئته التي كان عليها ، وإنما مقصودها أنه لا يقطعه عن عمله ويخرجه من بيته إلا الصلاة التي هي أهم الأمور والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية