الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
24 - قوله: (ص): "ثم عن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة... " إلى أن قال: [ ص: 290 ]

"ويكفي مجرد كونها في كتب من اشترط الصحيح فيما جمعه كابن خزيمة ، وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين: ككتاب أبي عوانة "، انتهى.

ومقتضى هذا أن يؤخذ ما يوجد في كتاب ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما - ممن اشترط الصحيح - بالتسليم، وكذا ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين وفي كل ذلك نظر.

أما الأول: فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في كتابيهما أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف، لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمه . وقد صرح ابن حبان بشرطه .

وحاصله: أن يكون راوي الحديث عدلا مشهورا بالطلب غير مدلس سمع ممن فوقه إلى أن ينتهي.

فإن كان يروي من حفظه فليكن عالما بما يحيل المعاني فلم يشترط على الاتصال والعدالة ما اشترطه المؤلف في الصحيح من وجود الضبط ومن عدم الشذوذ والعلة. وهذا وإن لم يتعرض ابن حبان لاشتراطه فهو إن وجده كذلك أخرجه وإلا فهو ماش على ما أصل؛ لأن وجود هذه الشروط لا ينافي ما اشترطه [ ص: 291 ] وسمى ابن خزيمة كتابه: "المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة".

وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء؛ لأن ابن حبان تابع لابن خزيمة مغترف من بحره ناسج على منواله.

ومما يعضد ما ذكرنا احتجاج ابن خزيمة وابن حبان بأحاديث أهل الطبقة الثانية الذين يخرج مسلم أحاديثهم في المتابعات كابن إسحاق وأسامة بن زيد الليثي ومحمد بن عجلان ومحمد بن عمرو بن علقمة وغير هؤلاء.

فإذا تقرر ذلك عرفت أن حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ما لم يظهر في بعضها علة قادحة.

وأما أن يكون مراد من يسميها صحيحة أنها جمعت الشروط المذكورة في حد الصحيح فلا. - والله أعلم - .

وأما الثاني: وهو ما يتعلق بالمستخرجات ففيه نظر أيضا لأن كتاب أبي عوانة وإن سماه بعضهم مستخرجا على مسلم فإن له فيه أحاديث كثيرة [ ص: 292 ] مستقلة في أثناء الأبواب (نبه هو على كثير منها، ويوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف أيضا - والموقوف).

وأما كتاب الإسماعيلي فليس فيه أحاديث مستقلة زائدة وإنما تحصل الزيادة في أثناء بعض المتون، والحكم بصحتها متوقف على أحوال رواتها. فرب حديث أخرجه البخاري من طريق بعض أصحاب الزهري عنه مثلا فاستخرجه الإسماعيلي وساقه من طريق آخر من أصحاب الزهري بزيادة فيه وذلك الآخر ممن تكلم فيه فلا يحتج بزيادته.

وقد ذكر المؤلف بعد أن أصحاب المستخرجات لم يلتزموا موافقة الشيخين في ألفاظ الحديث بعينها .

والسبب فيه أنهم أخرجوها من غير جهة البخاري ومسلم فحينئذ يتوقف الحكم بصحة الزيادة على ثبوت الصفات المشترطة في الصحيح للرواة الذين بين صاحب المستخرج وبين من اجتمع مع صاحب الأصل الذي استخرج عليه، وكلما كثرت الرواة بينه وبين من اجتمع مع صاحب الأصل فيه افتقر إلى زيادة التنقير، وكذا كلما بعد عصر المستخرج من عصر صاحب الأصل كان الإسناد كلما كثرت رجاله احتاج الناقد له إلى كثرة البحث عن أحوالهم. فإذا روى البخاري - مثلا عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري حديثا، ورواه الإسماعيلي - مثلا عن بعض مشايخه عن [ ص: 293 ]

الحكم بن موسى عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري واشتمل حديث الأوزاعي على زيادة على حديث ابن عيينة توقف الحكم بصحتها على تصريح الوليد بسماعه من الأوزاعي ، وسماع الأوزاعي من الزهري ؛ لأن الوليد بن مسلم من المدلسين على شيوخه وعلى شيوخ شيوخه.

وكذا يتوقف على ثبوت صفات الصحيح لشيخ الإسماعيلي وقس على هذا جميع ما في المستخرج.

وكذا الحكم في باقي المستخرجات.

فقد رأيت بعضهم حيث يجد أصل الحديث اكتفى بإخراجه ولو لم تجتمع الشروط في رواته.

بل رأيت في مستخرج أبي نعيم وغيره الرواية عن جماعة من الضعفاء؛ لأن أصل مقصودهم بهذه المستخرجات أن يعلو إسنادهم ولم يقصدوا إخراج هذه الزيادات وإنما وقعت اتفاقا . والله أعلم.

ومن هنا يتبين أن المذهب الذي اختاره المؤلف من سد باب النظر عن التصحيح غير مرضي؛ لأنه منع الحكم بتصحيح الأسانيد التي جمعت شروط [ ص: 294 ] الصحة فأداه ذلك إلى الحكم بتصحيح ما ليس بصحيح، فكان الأولى ترك باب النظر والنقد مفتوحا، ليحكم على كل حديث بما يليق به. - والله الموفق - .

التالي السابق


الخدمات العلمية