الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
29 - قوله: (ع): "وإنما حكى (يعني ابن الصلاح ) كلام الخطيب ، ثم قال: وأكثر ما يستعمل في ذلك... " إلى آخر كلامه.

أقول: مقتضاه أن يكون في السياق إدراج، وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطيب بلفظها.

وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية: وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . انتهى

فذكر [هذا] كله ابن الصلاح بالمعنى.

وقوله: وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - .

هو معنى قول الخطيب : إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة.

[ ص: 506 ] [المسند عند الخطيب :]

فالحاصل أن المسند عند الخطيب ينظر فيه إلى ما يتعلق بالسند فيشترط فيه الاتصال، وإلى ما يتعلق بالمتن فلا يشترط فيه الرفع إلا من حيث الأغلب في الاستعمال، فمن لازم ذلك أن الموقوف إذا اتصل سنده يسمى مسندا، ففي الحقيقة لا فرق عند الخطيب بين المسند والمتصل إلا في غلبة الاستعمال فقط.

[المرسل عند ابن عبد البر :]

وأما ابن عبد البر فلا فرق عنده بين المسند والمرفوع مطلقا؛ فيلزم على قوله أن يتحد المرسل والمسند.

وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المرسل والمسند، فيقولون: أسنده فلان وأرسله فلان.

وأما الحاكم وغيره ففرقوا بين المسند والمتصل والمرفوع، بأن المرفوع ينظر إلى حال المتن مع قطع النظر عن الإسناد ، فحيث صح إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مرفوعا سواء اتصل سنده أم لا.

ومقابله المتصل؛ فإنه ينظر إلى حال السند مع قطع النظر عن المتن سواء كان مرفوعا أو موقوفا.

[ ص: 507 ] وأما المسند فينظر فيه إلى الحالين معا، فيجتمع شرطا الاتصال والرفع ، فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق، فكل مسند مرفوع وكل مسند متصل ولا عكس فيهما.

على هذا رأي الحاكم وبه جزم أبو عمرو الداني، وأبو الحسن ابن الحصار في (المدارك) له والشيخ تقي الدين في الاقتراح والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم أن المسند عندهم ما أضافه من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - [إليه] بسند ظاهره الاتصال.

[ تعريف المسند :]

فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا أو تحمل كفره وأسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

[لكنه يخرج] من لم يسمع كالمرسل (والمعضل) .

[ ص: 508 ] وبسند يخرج ما كان بلا سند.

كقول القائل من المصنفين: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن هذا من قبيل المعلق ، وظهور الاتصال يخرج المنقطع، لكن يدخل منه ما فيه انقطاع خفي كعنعنة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يسمى مسندا ومن تأمل مصنفات الأئمة في المسانيد لم يرها تخرج عن اعتبار هذه الأمور.

وقد راجعت كلام الحاكم بعد هذا فوجدت عبارته: والمسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه (لسن يحتمله) وكذا سماع شيخه من شيخه متصلا إلى صحابي [مشهور] إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 3، فلم يشترط حقيقة الاتصال بل اكتفى بظهور ذلك. كما قلته تفقها، والحمد لله.

وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع وتحصل السلامة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك، والله أعلم.

وأمثلة هذا في تصرفهم كثيرة من ذلك:

قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن خالد بن كثير يروي عن النبي صلى [ ص: 509 ] الله عليه وسلم؟ فقال: ليست له صحبة. قال: فقلت: إن أحمد بن سنان أخرج حديثه في المسند. فقال [أبي] : خالد بن كثير من أتباع التابعين، فكيف يخرج حديثه في المسند؟

وقال البيهقي عقب حديث رواه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا حديث غير مسند.

التالي السابق


الخدمات العلمية