الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              129 [ 70 ] وعن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اجتنبوا السبع الموبقات ، قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات .

                                                                                              رواه البخاري ( 2766 ) ، ومسلم ( 89 ) ، وأبو داود ( 2874 ) ، والنسائي ( 6 \ 257 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " اجتنبوا السبع الموبقات ") أي : المهلكات ، جمع موبقة من [ ص: 283 ] أوبق . ووابقة : اسم فاعل من وبق يبق وبوقا : إذا هلك ، والموبق : مفعل منه ، كالموعد : مفعل من الوعد ; ومنه قوله تعالى : وجعلنا بينهم موبقا [ الكهف : 52 ] ، وفيه لغة ثانية : وبق ، بكسر الباء ، يوبق بالفتح ، وبقا ، وفيه لغة ثالثة : وبق يبق بالكسر فيهما ، وأوبقه : أهلكه .

                                                                                              وسميت هذه الكبائر موبقات ; لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات ، وفي الآخرة من العذاب . ولا شك في أن الكبائر أكثر من هذه السبع ; بدليل الأحاديث المذكورة في هذا الباب وفي غيره ; ولذلك قال ابن عباس حين سئل عن الكبائر ، فقال : " هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع " ، وفي رواية عنه : " هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع " .

                                                                                              وعلى هذا : فاقتصاره - عليه الصلاة والسلام - على هذه السبع في هذا الحديث يحتمل : أن تكون لأنها هي التي أعلم بها في ذلك الوقت بالوحي ، ثم بعد ذلك أعلم بغيرها . ويحتمل أن يكون ذلك ; لأن تلك السبع هي التي دعت الحاجة إليها في ذلك الوقت ، أو التي سئل عنها في ذلك الوقت ; وكذلك القول في كل حديث خص عددا من الكبائر ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في الكبائر ما هي ؟ وفي الفرق بينها وبين الصغائر ، فروي عن ابن مسعود : أن الكبائر : جميع ما نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى قوله : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [ النساء : 31 ] . وعن الحسن : أنها كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب . وقيل : هي كل ما أوعد الله عليه بنار ، أو بحد في الدنيا . وروي عن ابن عباس : أنها كل ما نهى الله عنه .

                                                                                              [ ص: 284 ] قال المؤلف - رحمه الله - : وما أظنه صحيحا عنه ; لأنه مخالف لما في كتاب الله تعالى من التفرقة بين المنهيات ، فإنه قد فرق بينها في قوله تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [ النساء : 31 ] ، وقوله : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [ النجم : 32 ] ; فجعل من المنهيات : كبائر وصغائر ، وفرق بينهما في الحكم لما جعل تكفير السيئات في الآية مشروطا باجتناب الكبائر ، واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش ; فكيف يخفى هذا الفرق على مثل ابن عباس وهو حبر القرآن ؟! فتلك الرواية عن ابن عباس ضعيفة ، أو لا تصح ، وكذلك أكثر ما روي عنه ; فقد كذب الناس عليه كثيرا .

                                                                                              قال المؤلف - رحمه الله - : والصحيح إن شاء الله تعالى : أن كل ذنب أطلق الشرع عليه أنه كبير أو عظيم ، أو أخبر بشدة العقاب عليه ، أو علق عليه حدا ، أو شدد النكير عليه وغلظه ، وشهد بذلك كتاب الله أو سنة أو إجماع : فهو كبيرة . والنظر في أعيان الذنوب نظر طويل لا يليق بهذا الكتاب ، وسيأتي القول في السحر ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                              والزحف : القتال ، وأصله : المشيء المتثاقل ; كالصبي يزحف قبل أن يمشي ، والبعير إذا أعيا ; فجر فرسنه ، وقد سمي الجيش بالزحف ; لأنه يزحف فيه . والتولي عن القتال : إنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة ، وإذا كان العدو ضعفي المسلمين ; على ما يأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى .

                                                                                              وقذف المحصنات : رميهن بالزنى ، والإحصان هنا : العفة عن الفواحش ، وسيأتي ذكره ، والغافلات ، يعني : عما رمين به من الفاحشة ، أي : هن بريئات من ذلك ، لا خبر عندهن منه ، وسيأتي القول في الزنى .




                                                                                              الخدمات العلمية