الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1624 (20) باب من لا يصلى عليه

                                                                                              [ 843 ] عن جابر بن سمرة قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه .

                                                                                              رواه مسلم (978) ، والترمذي (1068) ، والنسائي (4 \ 66) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (20) ومن باب : من لا يصلى عليه

                                                                                              قوله " قتل نفسه بمشاقص " ، هكذا صحيح الرواية فيه ، وهو جمع مشقص وهو السكين على الخلاف الذي ذكرناه في كتاب الإيمان ، وقد رواه الطبري " بمشقاص " بألف ، وليس بشيء ، وصوابه " مشقص " .

                                                                                              ولعل هذا القاتل لنفسه كان مستحلا لقتل نفسه فمات كافرا فلم يصل عليه لذلك ، وأما المسلم القاتل لنفسه فيصلى عليه عند كافة العلماء ، وكذلك المقتول [ ص: 638 ] في حد أو قصاص ، ومرتكب الكبائر وولد الزنى ، غير أن أهل الفضل يجتنبون الصلاة على المبتدعة والبغاة وأصحاب الكبائر ردعا لأمثالهم . ويجتنب الإمام خاصة الصلاة على من قتله في حد ، وحكي عن بعض السلف خلاف في بعض صور ; فعن الزهري : لا يصلى على المرجوم ، ويصلى على المقتول في قود . وقال أحمد : لا يصلي الإمام على قاتل نفس ولا غال . وقال أبو حنيفة : لا يصلى على محارب ، ولا على من قتل من الفئة الباغية . وقال الشافعي : لا يصلى على من ترك الصلاة إذا قتل ، ويصلى على من سواه . وعن الحسن : لا يصلى على النفساء تموت من زنى ، ولا على ولدها - وقاله قتادة في ولد الزنى . وعن بعض السلف خلاف في الصلاة على الطفل الصغير لما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على إبراهيم ابنه ، وقد جاء عنه أنه صلى عليه ، ذكر الحديثين أبو داود ، وقد علل ترك الصلاة عليه بعلل ضعيفة أشبهها أنه لم يصل عليه هو بنفسه لشغله بكسوف الشمس ، وصلى عليه غيره ، والله أعلم .

                                                                                              واختلفوا في الصلاة على السقط ; فذهب بعض السلف وفقهاء المحدثين إلى الصلاة عليه ، والجمهور على أنه لا يصلى عليه حتى يستهل صارخا أو تعرف حياته . وقال بعض السلف : يصلى عليه متى نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر . وأما المقتول في معترك العدو فلا يغسل ولا يصلى عليه عند مالك ، ويفعل ذلك به عند غيره ، وفرق أبو حنيفة بين الغسل والصلاة فأثبتها وأسقطه ، واختلف أصحابنا لو كان الشهيد جنبا هل يغسل أم لا ؟ قولان .

                                                                                              وعبد الله بن أبي ابن سلول هو عبد الله بن أبي بن مالك ، وسلول : أم [ ص: 639 ] أبي ، فتارة ينسب أبي إليها وتارة إلى أبيه مالك ، وكان عبد الله هذا سيد الخزرج في آخر جاهليتهم ، فلما ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - وانصرف الخزرج وغيرهم إليه حسده عبد الله وناصبه العداوة ، غير أن الإسلام غلبه فنافق ، وكان رأسا في المنافقين ، وهو أعظمهم نفاقا وأشدهم كفرا ، وكان المنافقون خلقا كثيرا ، حتى لقد روي عن ابن عباس أنهم كانوا ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة ، وكان لعبد الله هذا ولد اسمه عبد الله هو من فضلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أصدقهم إسلاما وأكثرهم عبادة وأشرحهم صدرا رضي الله عنه ، وكان أبر الناس بأبيه هذا ، ومع ذلك ; فقال يوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! إنك لتعلم أني من أبر الناس بأبي ، ولكن إن أمرتني أن آتيك برأسه فعلت ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نعفو عنه . فكان من أحرص الناس على إسلام أبيه وعلى أن ينتفع أبوه من بركات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء ، ولذلك لما مات سأل ابنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه لينال من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصه ، وسأله أن يصلي عليه فصلى عليه ، كل ذلك إكرام لابنه وإسعاف له في طلبته . وقد روي أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أعطاه قميصه لأن عبد الله كان قد أعطى العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر قميصا ، وذلك أن العباس أسر يوم بدر وسلب ، فمر به عبد الله فأعطاه قميصه ، فكافأه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك .




                                                                                              الخدمات العلمية