الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1784 [ 942 ] وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا : والله لو بعثنا هذين الغلامين - قال لي وللفضل بن عباس - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلماه ، فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس ، قال : فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب ، فوقف عليهما . فذكرا له ذلك ، فقال علي : لا تفعلا . فوالله ما هو بفاعل ، فانتحاه ربيعة بن الحارث ، فقال : والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا ، فوالله لقد نلت صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما نفسناه عليك . قال علي أرسلوهما فانطلقا . واضطجع علي ، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر سبقناه إلى الحجرة ، فقمنا عندها حتى جاء ، فأخذ بآذاننا ، ثم قال : (أخرجا ما تصرران) ثم دخل ودخلنا عليه ، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش ، قال : فتواكلنا الكلام ، ثم تكلم أحدنا فقال : يا رسول الله ! أنت أبر الناس وأوصل الناس ، وقد بلغنا النكاح ، فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات ، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ، ونصيب كما يصيبون . قال : فسكت طويلا ، ثم أردنا أن نكلمه ، قال : وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه قال : ثم قال : ( إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس ، ادعوا لي محمية - وكان على الخمس - ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب . قال : فجاءاه فقال لمحمية : ( أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس) فأنكحه ، وقال لنوفل بن الحارث : ( أنكح هذا الغلام ابنتك - لي ، فأنكحني ، وقال لمحمية : ( أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا) .

                                                                                              وفي رواية : (وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) .

                                                                                              رواه مسلم (1072)، وأبو داود (2985)، والنسائي (5 \ 105 و 106 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : " فانتحاه ربيعة بن الحارث " ; أي : عرض له وقصده . والنحو : القصد ، ومنه علم النحو .

                                                                                              وقوله : " والله ما يفعل هذا إلا نفاسة علينا " ، هذه يمين وقعت من ربيعة على اعتقاده ، فهي من قبيل اللغو ، والنفاسة: في الخير ، ومنه قوله تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

                                                                                              وقوله : " فما نفسناه عليك " ; أي : ما تمنينا أن يكون لنا دونك .

                                                                                              وقوله : ( أخرجا ما تصرران ) ; أي : ما تجمعانه في صدوركما ، وكل شيء جمعته فقد صررته ، ومنه : صر الدراهم ، وهو جمعها في الصرة .

                                                                                              [ ص: 127 ] وقوله : " قد بلغنا النكاح " ; أي : الحلم ، ومنه قوله تعالى : حتى إذا بلغوا النكاح .

                                                                                              وقول علي في " الأم " : " أنا أبو حسن القرم ، والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به " ; إنما قال : أبو حسن القرم ; لأجل الذي كان عنده من علم ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول هذه الكلمة عند الأخذ في قضية تشكل على غيره وهو يعرفها ، ولذلك جرى كلامه هذا مجرى المثل ، حتى قالوا : قضية ولا أبا حسن ; أي : هذه قضية مشكلة ، وليس هناك من يبينها ، كما كان يفعل أبو حسن الذي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأتوا بأبي حسن " بعد " لا " النافية للنكرة على إرادة التنكير . أي : ليس هناك واحد ممن يسمى أبا حسن ، كما قالوا :


                                                                                              أرى الحاجات عند أبي خبيب نكدن ولا أمية في البلاد

                                                                                              أي : لا واحد ممن يسمى أمية .

                                                                                              و" القرم " : أصله الفحل من الإبل ، ويستعار للرجل الكبير المجرب الأمور . وهذه رواية القاضي الشهير - بالراء - والرفع على النعت لأبي حسن . وقد روي : بالواو مكان الراء بإضافة حسن إليه ، وهي رواية ابن أبي جعفر ، ووجهها : كأنه قال : أنا عالم القوم وذو رأيهم . وقد روي عن أبي بحر : " أبو حسن " ، بالتنوين ، وبعده : " القرم " ، بالرفع ; أي : أنا من علمتم أيها القوم ، وهذه الرواية أبعدها .

                                                                                              وقوله : " لا أريم " ; أي : لا أزال ولا أبرح من مكاني هذا . قال زهير :

                                                                                              [ ص: 128 ]

                                                                                              لمن طلل برامة لا يريم عفا وخلاله عقب قديم

                                                                                              و " بحور ما بعثتما به " ; أي : بجوابه . يقال : كلمته فما رد حورا ولا حويرا ; أي : جوابا .

                                                                                              قلت : وأصل الحور : الرجوع ، ومنه قوله تعالى : إنه ظن أن لن يحور ; أي : أن لن يرجع . و " ابناكما " على التثنية هو الصحيح ، ووقع لبعض الشيوخ : " أبناؤكما " على الجمع ، وهو وهم ، فإنه قد نص على أنهما اثنان .

                                                                                              وقوله : " فتواكلنا الكلام " ; أي : وكل بعضهم إلى بعض الكلام ، فكأنهما توقفا قليلا إلى أن بدر أحدهما فتكلم .

                                                                                              وقوله : " فجعلت زينب تلمع من وراء الحجاب " ; أي : تشير ، يقال : ألمع بثوبه وبيده ، وأومأ برأسه ، وأومض بعينه .

                                                                                              وقوله : ( إنما هي أوساخ الناس) ، إنما كانت الصدقة كذلك ; لأنها تطهرهم من البخل ، وأموالهم من إثم الكنز ، فصارت كماء الغسالة التي تعاب .

                                                                                              ومساق الحديث والتعليل يقتضي أنها لا تحل لأحد من آل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما قدمناه ، وإن كانوا عاملين عليها ، وهو رأي الجمهور وقد ذهب إلى جوازها لهم إذا كانوا عاملين عليها ; أبو يوسف والطحاوي ، والحديث رد عليهم .

                                                                                              و" محمية " مخففة الياء على وزن مفعلة ، من " حميت المكان ، أحميه " . وهو ابن جزء ، بهمزة بعد [ ص: 129 ] الزاي الساكنة - على وزن : كلب ، كذا قاله الحفاظ المتقنون . قال عبد الغني : ويقال : جزي - بكسر الزاي - ، وقال أبو عبيد : هو عندنا : جز مشدد الزاي ، وقال مسلم : إنه من بني أسد . والمشهور المحفوظ : أنه من بني زبيد .




                                                                                              الخدمات العلمية