الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1919 [ 1001 ] وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء ، قالت: أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائما فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ، فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار .

                                                                                              وفي رواية : ونصنع لهم اللعبة من العهن ، فنذهب به معنا ، فإذا سألوا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم .

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 359-360)، والبخاري (1960)، ومسلم (1136) (136 و 137 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول الربيع : ( أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار ) ; أي : إلى قرى المدينة . وإنما خص هذا الوقت بالإرسال ; لأنه الوقت الذي أوحي إليه فيه في شأن صوم عاشوراء . وهذا مما يدل على أنه كان واجبا ; إذ لا ينتهي الاعتناء بالندب غالبا إلى أن يفعل فيه هكذا من الإفشاء ، والأمر به ، وبيان أحكامه ، والإبلاغ لمن بعد ، وشدة التهمم .

                                                                                              ولما فهمت الصحابة هذا التزموه ، وحملوا عليه صغارهم الذين ليسوا بمخاطبين بشيء من التكاليف تدريبا ، وتمرينا ، ومبالغة في الامتثال والطواعية . على أن جمهور من قال من العلماء : إن الصغار يؤمرون بالصلاة وهم أبناء سبع ، ويضربون عليها وهم أبناء عشر ; ذهبوا إلى أنهم : لا يؤمرون بالصوم لمشقته عليهم ، بخلاف الصلاة .

                                                                                              وقد شذ عروة فقال : إن من أطاق الصوم منهم وجب عليه . وهذا مخالف لما عليه جمهور المسلمين ; ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : (رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ) ، ولقوله تعالى : وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا

                                                                                              وقوله في حديث سلمة بن الأكوع : (من كان لم يصم فليصم ، ومن كان أكل فليتم صومه إلى الليل) ; ظاهر هذا : جواز إحداث نية الصوم في أضعاف [ ص: 196 ] النهار ، ولا يلزم التبييت .

                                                                                              وقد اختلف في ذلك : فذهب أبو حنيفة ، والثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : إلى جواز ذلك في النفل . وخص طائفة منهم جواز ذلك بما قبل الزوال ; منهم : الشافعي في أحد قوليه . وذهب مالك ، وابن أبي ذئب ، والليث ، والمزني : إلى أنه لا يصح صوم إلا بنية من الليل . وذهب الكوفيون : إلى أن كل ما فرض من الصوم في وقت معين ; فإنه لا يحتاج إلى تبييت نية ، ويجزئه إذا نواه قبل الزوال . وهو قول الأوزاعي ، وإليه ذهب عبد الملك بن الماجشون ، ورواه عن مالك فيمن لم يعلم برمضان إلا في يومه . وذهب مالك في المشهور عنه ، والشافعي ، وأحمد ، وعامتهم : إلى أن الفرض لا يجزئ إلا بنية من الليل . وهذا هو الصحيح بدليل ما رواه النسائي عن حفصة ، والدارقطني عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ) . وغاية ما قيل في هذا الحديث : أنه روي موقوفا . والمسندون له ثقات . ولا حجة فيما تقدم من ابتداء الصيام في يوم عاشوراء ; لأنه كان ذلك في أول الأمر ، وهو منسوخ كما قد تقدم . ولو سلم أنه ليس بمنسوخ ; لأمكن أن يقال بموجبه . فإن من تذكر فرض صوم يوم هو فيه ، أو ثبت أنه صوم يومه لزمه إتمام صومه .

                                                                                              وهذا مما لا يختلف فيه ، لكن عليه قضاؤه ; إذ الصوم المطلوب منه لم يأت به ; فإنه طلب منه صوم يوم كامل ، وهذا بعض يوم . هذا مع ما قد رواه أبو داود من أنه قال - صلى الله عليه وسلم - : (فأتموا بقية يومكم واقضوه) ; يعني : عاشوراء .

                                                                                              وقولها : ( ونصنع لهم اللعبة من العهن ) . اللعبة : ما يلعب به . والعهن : [ ص: 197 ] الصوف الأحمر . ونلهيهم : نشغلهم . وهذا أمر فعله النساء بأولادهن ، ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعرف ذلك ، وبعيد أن يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ; لأنه تعذيب صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة .




                                                                                              الخدمات العلمية