الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2369 [ 1189 ] ومن حديث عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة عنها ، قالت : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية (أو قال: بكفر) لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض ، ولأدخلت فيها من الحجر .

                                                                                              وفي رواية: فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر ، إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم.

                                                                                              رواه مسلم (1333) (399 و 400).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : ( لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ) ; هذا الكنز هو المال الذي كان يجتمع مما كان يهدى إلى الكعبة ، وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك المال في الكعبة للعلة التي ذكر ، وهي : مخافة التنفير . وأقره أبو بكر ولم يعرض له . ثم إن عمر هم بقسمته ، فخالفه في ذلك بعض الصحابة ، واحتج عليه : بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر لم يفعلا ذلك ، فتوقــف .

                                                                                              قلت : ولا يظن أن هذا الكنز الذي جرى فيه ما ذكرنا أنه يدخل فيه حلي الكعبة الذي حليت به من الذهب والفضة ، كما ظنه بعضهم ، فإن ذلك ليس [ ص: 435 ] بصحيح ; لأن حليتها محتبسة عليها ، كحصرها ، وقناديلها ، وسائر ما يحبس عليها لا يجوز صرفها في غيرها ، ويكون حكم حليها حكم حلية سيف أو مصحف حبسا في سبيل الله ; فإنه لا يجوز تغييره عن الوجه الذي حبس له ، وإنما ذلك الكنز كما ذكرناه ، وكأنه فضلة ما كان يهدى إليها عما كانت تحتاج إليه مما ينفق فيها ، فلما افتتح النبي - صلى الله عليه وسلم - خاف من نفرة قلوب قريش إن هو أنفقه في سبيل الله تعالى ، كما قال. وذلك أنهم كانت عادتهم في ذلك : ألا يتعرضوا له. فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك لما ذكره ، ثم إنه بقي على ذلك في إمارة أبي بكر وعمر ، ولا أدري ما صنع به بعد ذلك . وينبغي أن يبحث عنه.

                                                                                              وسبيل الله هنا : الجهاد . وهو الظاهر من عرف الشرع ، كما قررناه في كتاب الزكاة .

                                                                                              و (من) في قوله : ( من الحجر ) للتبعيض ، بدليل قوله في الرواية الأخرى : (أدخلت من الحجر خمسة أذرع) .

                                                                                              وقول عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : ( لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ; ليس شكا منه في سماعها ، ولا في سماع الراوي عنها ، وإنما هذا على طريقة وضع الشرطي المتصل الذي يوضع شرطه تقديرا ليتبين مشروطه تحقيقا . وله في كلام الله تعالى ، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - نظائر ، منها : قوله عز وجل : قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين [الزخرف: 81] وقوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [الأنبياء : 22] ومثله كثير. ولبسط هذا وتحقيقه علم آخر . وقد يأتي هذا النحو في الكلام على طريق تبيين الحال على وجه يأنس به المخاطب ، [ ص: 436 ] وإظهار التناصف في الكلام ، كقوله تعالى : قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب [سبأ: 50] وعلى الجملة : فالشرط يأتي في الكلام على غير وجه الشك ، وهو كثير .

                                                                                              وقوله : ( ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استلام الركنين اليمانيين إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم ) ; يعني : أن الركنين اللذين يليان الحجر ليسا بركنين ، وإنما هما بعض الجدار الذي بنته قريش ، فلذلك لم يستلمهما . وقد تقدم القول على هذا .




                                                                                              الخدمات العلمية