الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3260 [ 1254 ] وعن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال قال: فكتب إلي: إنما كان ذلك في أول الإسلام ، قد أغار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بني المصطلق ........ وهم غارون ، وأنعامهم تسقى على الماء ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى سبيهم ، وأصاب يومئذ ، (قال يحيى بن يحيى : أحسبه قال: جويرية) ، ( أو قال: البتة) ابنة الحارث.

                                                                                              وفي رواية : وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث . ولم يشك .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 31 و 32) والبخاري (2541) ومسلم (1730) وأبو داود (2633).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقول نافع - وقد سئل عن الدعوة قبل القتال - : (أنها كانت في أول الإسلام) ، واستدلاله بقضية بني المصطلق ; يفهم منه : أن حكم الدعوة كان متقدما ، وأنه منسوخ بقضية بني المصطلق . وبه تمسك من قال بسقوط الدعوة مطلقا .

                                                                                              [ ص: 518 ] ومنهم من ذهب إلى أنها واجبة مطلقا ، متمسكا بظاهر وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك أمراءه ، ولم تصلح عنده قضية بني المصطلق لأن تكون ناسخة لذلك ; لأن تلك الوصايا تقعيد قاعدة عامة ، وقضية بني المصطلق قضية في عين ; ولأن الوصية قول ، وقضية بني المصطلق فعل ، والفعل لا ينسخ القول على ما يعرف في الأصول . والذي يجمع بين هذه الأحاديث صريح مذهب مالك ، وهو أنه قال : لا يقاتل الكفار قبل أن يدعوا ، ولا تلتمس غرتهم ، إلا أن يكونوا ممن بلغتهم الدعوة ، فيجوز أن تؤخذ غرتهم . وعلى هذا فيحمل حديث بني المصطلق : على أنهم كانوا قد بلغتهم الدعوة ، وعرفوا ما يطلبه المسلمون منهم . وهذا الذي صار إليه مالك هو الصحيح ; لأن فائدة الدعوة أن يعرف العدو أن المسلمين لا يقاتلون للدنيا ، ولا للعصبية ، وإنما يقاتلون للدين . وإذا علموا بذلك أمكن أن يكون ذلك سببا مميلا لهم إلى الانقياد للحق بخلاف ما إذا جهلوا مقصود المسلمين ، فقد يظنون أنهم يقاتلون للملك ، وللدنيا ، فيزيدون عتوا ، وتعصبا .

                                                                                              وقوله : (أغار عليهم) ; أي : أرسل عليهم الغارة ، وهي الخيل التي تغير في أول النهار . وغارون : غافلون . والغرة : الغفلة . والأنعام : الإبل ، والبقر ، والغنم . والمقاتلة : الصالحون للقتال ، المطيقون له . والسبي : الذراري ، والنساء .

                                                                                              وقوله : ( وأصاب يومئذ ) ; قال يحيى : أحسبه قال : جويرية ، أو قال : ابنة [ ص: 519 ] الحارث . هكذا صواب هذه الرواية ، بإسقاط : البتة . وقد غلط فيها بعض النقلة ، فظن : أن يحيى إنما شك في اسم ابنة الحارث : هل هي جويرية أو البتة ؟ وحمله على ذلك الأخذ بظاهر ذلك اللفظ ، وهو غلط فاحش ; لأنه لم يذهب أحد من الناس إلى أن اسم ابنة الحارث هذه : البتة . وإنما يحيى بن يحيى شك في سماع اسم جويرية ، ثم بت القضية ، وحقق السماع لاسمها ; بدليل قوله في الرواية الأخرى : ( جويرية بنت الحارث ) ولم يشك . والله أعلم .

                                                                                              فرع : إذا قتل من أمر بدعوته من قبل أن يدعى ، فهل على قاتله دية ، أم لا ؟ فذهب مالك وأبو حنيفة : إلى أنه لا دية عليه ; لأنه حلال الدم بأصل الكفر ، ولم يتجدد من جهته ما يوجب حرمة دمه ، فبقي على الأصل لعدم الناقل ، ولا يصلح المنع من قتالهم قبل الدعوة موجبا لحرمتهم ، كما لا يصلح ذلك موجبا لحرمة نسائهم ، وأبنائهم . والله تعالى أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية