الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2845 [ 1624 ] وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق، يشك داود بن الحصين.

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 237 )، والبخاري (2190)، ومسلم (1541)، وأبو داود ( 3364)، والترمذي (1301)، والنسائي ( 7 \ 268 ).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و ( قوله: فيما دون خمسة أوسق) أو ( في خمسة أوسق) دليل على أن في العرية إنما تجري فيما يوسق ويكال. ثم هل تقصر على التمر والزبيب، أو يلحق [ ص: 396 ] بهما ما في معناهما مما يدخر للقوت؟ قولان؛ وقد تقدما. والأولى: التعدية، والإلحاق؛ لأن المنصوص عليه في الحديث التمر، وقد ألحق بها الزبيب قولا واحدا عندنا، وليس منصوصا عليه، ولا سبب للإلحاق إلا أن الزبيب في معنى التمر، فيلحق بهما كل ما في معناهما من المدخر للقوت.

                                                                                              وقد وسع المناط يحيى بن عمر من أصحابنا فقاس سائر الثمار على النخل والعنب، فأجاز بيع الثمار كلها بخرصها إذا طابت إلى الجداد. وشذ في ذلك شذوذا منكرا لم يقل به أحد من أهل العلم. وقد دل هذا الحديث على قصر الرخصة على هذا القدر فلا يزاد عليه. لكن هذا إنما شرط في بيعها من معريها بخرصها كما تقدم، وأما من غيره، أو منه بالعين أو بالعروض، فجائز مطلقا من غير تقدير. هذا هو المشهور عن المذهب. وقد روي عنه أنه لا يجوز شراؤها للمعري إلا بالخرص خاصة، لا بغيره؛ لأنه من باب: العود في الهبة، ومحل الرخصة الخرص فيقصر عليه. وهذا هو سبب الخلاف في أكثر مسائل هذا الباب؛ أعني: هل يقاس على الرخص، أو لا؟

                                                                                              و ( قوله: فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق ) هو شك من داود بن الحصين . وموضع الشك: الخمسة. فتطرح، ويعول على أن الجواز مخصوص بما دونها لأوجه:

                                                                                              أحدها: أن الحكم لا يثبت بالشك.

                                                                                              والثاني: أن الأصل في المزابنة المنع، إلا فيما تحققت فيه الرخصة، ولم تتحقق هنا في الخمسة، بل فيما دونها.

                                                                                              والثالث: أن الخمسة الأوسق هو أول مقادير المال الكثير، الذي تجب فيه [ ص: 397 ] الزكاة من هذا النوع. ويكون مالكه من الأغنياء الذين يجب عليهم مواساة الفقير. وهو الذي لا نصاب له، فقصر المرفق على من هو من نوع الفقراء مناسب لتصرف الشرع. وبهذا قال الشافعي ، إلا أنه قال: لا أفسخ البيع في مقدار خمسة أوسق، وأفسخه فيما فوقها.

                                                                                              قلت: والأولى فسخه؛ لأن الأصل منعه؛ لأنه مزابنة، ولم يتحقق الرافع للمنع. وقد تقدم: أن مالكا يشترط في جواز بيع العرية من معريها أن تقوم بالخرص عند الجداد. وهو قول جل أصحابه. ولم يجيزوه بالنقد. وزعم بعضهم: أن ذلك جاء في الحديث. ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث مع طول بحثي عنه. ومثل هذا الشرط لا يثبت إلا بالسمع، فكأن عند مالك سمع ولم يبلغنا، والله تعالى أعلم.

                                                                                              تنبيه: العرية عندنا مستثناة من أصول ممنوعة: من المزابنة، والغرر، ومن ربا التفاضل، والنساء، ومن الرجوع في الهبة. والذي سوغها ما فيها من المعروف، والرفق، وإزالة الضرر. كما قدمناه، والله تعالى أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية