الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2859 [ 1627 ] وعنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة والمعاومة، وفي رواية: بيع السنين: (عوض المعاومة). وعن الثنيا، ورخص في العرايا.

                                                                                              رواه مسلم (1543) (85)، وأبو داود (3404)، والترمذي (1313)، والنسائي ( 7 \ 296 )، وابن ماجه (2266).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              والمعاومة: بيع الثمر أعواما. وهو المعبر عنه باللفظ الآخر: بيع السنين. ولا خلاف في تحريم بيعه؛ لكثرة الغرر والجهل.

                                                                                              والثنيا - بالضم والقصر، على وزن الكبرى - هي: الاسم من الاستثناء، [ ص: 404 ] وكذلك: الثنوى - بفتح الثاء - على وزن: طرفى. ذكر ذلك في الصحاح. قال الهروي : بيع الثنيا هو: أن يستثنى من المبيع شيء مجهول، فيفسد البيع. وقال القتبي : هو أن يبيع شيئا جزافا ويستثني منه شيئا.

                                                                                              قلت: والحاصل: أن الثنيا اسم جنس لما فيه استثناء، سواء كان ذلك من البائع، أو من المبتاع. فيكون الأصل في كل ذلك المنع لأجل النهي، غير أن في ذلك تفصيلا يظهر بصور:

                                                                                              الأولى: جائزة باتفاق، وهي: أن يستثني البائع نخلات معينات من حائط، قلت، أو كثرت؛ لأن البيع لم يقع عليهن، بل على ما عداهن.

                                                                                              الثانية: أن يستثني نخلات مجهولات، أو كيلا مجهولا من الثمرة؛ على أن يعين ذلك بعد البيع. فذلك ممنوع فاسد باتفاق؛ لتناول النهي له وللجهل بالمبيع والغرر.

                                                                                              الثالثة: أن يستثني من الثمر كيلا معلوما. فذهب الجمهور إلى أن ذلك لا يجوز منه قليل ولا كثير. ورأوا أن ذلك النهي متناول له؛ لما فيه من الجهالة. وذهب مالك في جماعة أهل المدينة : إلى أن ذلك جائز فيما بينه وبين ثلث الثمرة، ولا يجوز زيادة على ذلك. ورأوا: أن خرص الثمرة وحزرها مما يعرف [ ص: 405 ] مقدارها، وأن استثناء القليل منها لا يكثر فيه الغرر. والقليل من الغرر مغتفر في مواضع كثيرة من الشرع. وما دون الثلث قليل.

                                                                                              قلت: وهذا تخصيص للعموم بالنظر.

                                                                                              الرابعة: أن يستثني جزءا من الثمرة مشاعا. فيجوز عند مالك وعامة أصحابه، قل، أو كثر. وذهب عبد الملك : إلى أنه لا يجوز استثناء الأكثر. والخلاف في ذلك مبني على جواز استثناء الأكثر من الأقل، وعدم جوازه. وقد بينا جوازه في أصول الفقه.

                                                                                              الخامسة: أن يقول البائع للمشتري: أبيعك هذا الشيء بكذا، على أنك إن جئتني بالثمن إلى أجل كذا رددت عليك ملكك. فهذا فاسد للنهي عنه، ولأنه ذريعة للسلف الذي يجر نفعا. ويفسخ ما لم يفت، فإن فات ضمن بالقيمة، ويفيته ما يفيت البيع الفاسد.

                                                                                              السادسة: أن يعقد المشتري على أنه إن لم يأت بالثمن إلى وقت كذا فلا بيع بينهما. فاختلف فيه. فبعضهم أبطل الشرط، وصحح العقد. ومنهم من ألزم قائله الشرط، وجعل للآخر الخيار. والوجهان مرويان عن مالك .




                                                                                              الخدمات العلمية