الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4603 [ 2439 ] وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران : فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثا - ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويظهر فيهم السمن .

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 427 )، ومسلم (2535) (214).

                                                                                              وفي أخرى : [ عن أبي هريرة ] : "يحبون السمانة".

                                                                                              رواه مسلم (2534).

                                                                                              [ ص: 487 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 487 ] و (قول عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين ، أو ثلاثا ) هذا الذي شك فيه عمران قد حققه عبد الله بن مسعود بعد قرنه ثلاثا ، وكذلك في حديث أبي سعيد في البعوث ، فإنه ذكر أنهم أربعة .

                                                                                              و (قوله : " تبدر شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته ") يعني بذلك : أنه يقل ورع الناس بعد القرن الرابع ، فيقدمون على الأيمان والشهادات من غير توقف ولا تحقيق ، وقال في حديث عمران : " يشهدون ولا يستشهدون " أي : يسبقون بأداء الشهادة قبل أن يسألوها ، وذلك لهوى لهم فيها ، ومن كان كذلك ردت شهادته ، وقد بينا فيما تقدم مواضع يتعين فيها على الشاهد الأداء وإن لم يسأل ، وذلك بحسب ما تدعو إليه الضرورة الشرعية ، وعليه يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " . ويحتمل أن يراد بقوله : " ولا يستشهدون " أنهم : يشهدون بالزور فيكون معناه : يشهدون بما لم يستشهدوا به ، ولا شاهدوه ، والأول أولى ، لأنه أصل الكلمة .

                                                                                              و (قوله : " ويظهر فيهم السمن ") أي : يغلب عليهم النهم والشهوات ، ويكثرون الأكل ، فيظهر عليهم السمن ، وقد يأكلون ليسمنوا ، فإنه محبوب لهم ، [ ص: 488 ] ومن كان هذا حاله خرج عن الأكل الشرعي ، ودخل في الأكل الشري الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان ولا بد ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " .

                                                                                              و (قول إبراهيم النخعي : كانوا ينهوننا ونحن غلمان عن العهد والشهادات ) يعني : من أدرك ، وقد أدرك التابعين ، فكانوا يزجرون الصبيان عن اعتياد إلزام أنفسهم العهود والمواثيق ، لما يلزم الملتزم من الوفاء ، فيحرج أو يأثم بالترك ، وكذلك عن تحمل الشهادات لما يلزم عليه من مشقة الأداء ، وصعوبة التخلص من آفاتها في الدنيا والآخرة ، وكل ذلك من السلف رضي الله عنهم تعليم للصغار ، وتدريب لهم على ما يجتنبونه في حال كبرهم .

                                                                                              و (قوله : " ويخونون ولا يؤتمنون ") يعني : أنهم تشتهر خيانتهم ، فلا يأتمنهم أحد ، وهذا نحو مما تقدم في حديث حذيفة في الأمانة .




                                                                                              الخدمات العلمية