الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              43 (10) باب

                                                                                              حق الله تعالى على العباد

                                                                                              [ 24 ] عن معاذ بن جبل ، قال : كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل - وفي رواية : على حمار يقال له : عفير ، ولم يذكر : ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل - فقال : يا معاذ بن جبل! قلت : لبيك رسول الله وسعديك ! ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل! قلت : لبيك رسول الله وسعديك ! ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل ! قلت : لبيك رسول الله وسعديك! قال : هل تدري ما حق الله على العباد ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن حق الله على العباد : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم سار ساعة ، ثم قال : يا معاذ بن جبل ! قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، قال : هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ألا يعذبهم .

                                                                                              رواه أحمد ( 5 \ 238 ) ، والبخاري ( 7373 ) ، ومسلم ( 30 ) ، والترمذي ( 2645 ) ، وابن ماجه ( 4296 ) .

                                                                                              [ ص: 202 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 202 ] (10) ومن باب حق الله على العباد

                                                                                              (قوله : " كنت ردف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ") يروى : ردف بسكون الدال من غير ياء ، وبكسر الراء ، ويروى : رديف بفتح الراء وكسر الدال وياء بعدها ، وكلاهما صحيح رواية ولغة ، وهما اسمان للراكب خلف الراكب ، يقال منه : ردفته أردفه ، بكسر الدال في الماضي ، وفتحها في المستقبل ، وأردفته أنا بألف ، وذلك الموضع يسمى الردف . ورواه الطبري : ردف بفتح الراء وكسر الدال من غير ياء ، كـ : عجل وحذر وزمن ، وليس بمعروف في الأسماء .

                                                                                              و (قوله : " ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل ") كذا وقع هاهنا : مؤخرة ، وقرأناه على من يوثق بعلمه بضم الميم ، وفتح الراء ، والخاء مشددة على أنه اسم مفعول ; لأنها تؤخر . وأنكر هذا اللفظ يعقوب ، وابن قتيبة ، وقالا : المعروف عند العرب : أخرة الرحل ، وهي العود الذي خلف الراكب ، وتقابله : قادمته . وقيل فيها : مؤخرة ، بهمز الواو خفيفة وكسر الخاء ، حكاها صاحب " الصحاح " ، وأبو عبيد . والرحل للبعير كالسرج للفرس ، والإكاف للحمار .

                                                                                              وعفير : تصغير أعفر تصغير الترخيم ; كسويد تصغير أسود ، وتصغيره غير مرخم : أعيفر . والعفرة : بياض يخالطه صفرة كعفرة الأرض والظباء . والمشهور في اسم حمار النبي - صلى الله عليه وسلم - يعفور .

                                                                                              [ ص: 203 ] تنبيه : إن كانت هاتان الروايتان قضية واحدة ، فقد تجوز بعض الرواة في تسميته الإكاف رحلا ، ويحتمل أن تكون تلك قضية واحدة تكررت مرتين ، والله أعلم .

                                                                                              وفيه ما يدل على جواز ركوب اثنين على حمار ، وعلى تواضع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما كرر النبي - صلى الله عليه وسلم - نداء معاذ ثلاثا ; ليستحضر ذهنه وفهمه ، وليشعره بعظم ما يلقيه عليه .

                                                                                              وحق الله على عباده : ما أوجبه عليهم بحكمه ، وألزمهم إياه بخطابه . وحق العباد على الله : هو ما وعدهم به من الثواب والجزاء ; فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق ، وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ، ولا الخلف في الوعد ; فالله تعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر ; إذ لا أمر فوقه ، ولا بحكم العقل ; إذ العقل كاشف لا موجب ، كما بيناه في " الأصول " .




                                                                                              الخدمات العلمية