الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              88 (21) باب

                                                                                              علامات النفاق

                                                                                              [ 48 ] عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أربع من كن فيه ، كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خلة منهن ، كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر رواه أحمد ( 2 \ 189 و 198 ) ، والبخاري ( 34 ) ، ومسلم ( 58 ) ، وأبو داود ( 4688 ) ، والترمذي ( 2634 ) ، والنسائي ( 8 \ 116 ) .

                                                                                              .

                                                                                              [ ص: 249 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 249 ] (21) ومن باب علامات النفاق

                                                                                              (قوله : " أربع من كن فيه ، كان منافقا خالصا " ) قال ابن الأنباري : في تسمية المنافق منافقا ثلاثة أقوال :

                                                                                              أحدها : أنه سمي بذلك ; لأنه يستر كفره ; فأشبه الداخل في النفق ، وهو السرب .

                                                                                              وثانيها : أنه شبه باليربوع الذي له جحر يقال له : القاصعاء ، وآخر يقال له : النافقاء ، فإذا أخذ عليه من أحدهما ، خرج من الآخر ; وكذلك المنافق : يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي يدخل فيه .

                                                                                              وثالثها : أنه شبه باليربوع من جهة أن اليربوع يخرق في الأرض ، حتى إذا قارب ظاهرها ، أرق التراب ، فإذا رابه ريب ، دفع التراب برأسه فخرج ، فظاهر جحره تراب ، وباطنه حفر ، وكذلك المنافق : ظاهره الإيمان ، وباطنه الكفر .

                                                                                              قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : وظاهر هذا الحديث : أن من كانت هذه الخصال الثلاث فيه ، خرج من الإيمان ، وصار في النفاق الذي هو الكفر الذي قال فيه مالك : " النفاق الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الزندقة عندنا اليوم " .

                                                                                              [ ص: 250 ] وليس الأمر على مقتضى هذا الظاهر ; لما قررناه في أول الكتاب ، وأعدناه في الباب الذي قبل هذا .

                                                                                              ولما استحال حمل هذا الحديث على ظاهره على مذهب أهل السنة ، اختلف العلماء فيه على أقوال :

                                                                                              أحدها : أن هذا النفاق هو نفاق العمل الذي سأل عنه عمر حذيفة لما قال له : هل تعلم في شيئا من النفاق ؟ أي : من صفات المنافقين الفعلية ، ووجه هذا : أن من كانت فيه هذه الخصال المذكورة ، كان ساترا لها ، ومظهرا لنقائضها ; فصدق عليه اسم منافق .

                                                                                              وثانيها : أنه محمول على من غلبت عليه هذه الخصال ، واتخذها عادة ، ولم يبال بها ; تهاونا واستخفافا بأمرها ; فأي من كان هكذا ، كان فاسد الاعتقاد غالبا ، فيكون منافقا خالصا .

                                                                                              وثالثها : أن تلك الخصال كانت علامة المنافقين في زمانه ; فإن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا متجنبين لتلك الخصال ; بحيث لا تقع منهم ، ولا تعرف فيما بينهم ; وبهذا قال ابن عباس وابن عمر ، وروي عنهما في ذلك حديث ، وهو أنهما أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عن هذا الحديث ، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : ما لكم ولهن ، إنما خصصت بهن المنافقين ، أنتم من ذلك برآء ، وذكر الحديث بطوله القاضي عياض ، قال : وإلى هذا صار كثير من التابعين والأئمة .

                                                                                              و (قوله : " وإذا خاصم فجر ") أي : مال عن الحق ، واحتال في رده وإبطاله .

                                                                                              [ ص: 251 ] قال الهروي : " أصل الفجور : الميل عن القصد ، وقد يكون الكذب " . والخلة بفتح الخاء : الخصلة ، وجمعها خلال ، وبالضم الصداقة . والزعم بضم الزاي قول غير محقق ; كما تقدم .




                                                                                              الخدمات العلمية