الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) من أدلة الفقه أيضا ( جعل المعدوم كالموجود احتياطا ) كالمقتول تورث عنه الدية . [ ص: 601 ] وإنما تجب بموته ولا تورث عنه إلا إذا دخلت في ملكه ، فيقدر دخولها قبل موته . ويلتحق بما تقدم : قاعدة نقلها العلائي عن بعض الفضلاء . وهي أن " إدارة الأمور في الأحكام على قصدها " ودليلها حديث عمر رضي الله تعالى عنه { إنما الأعمال بالنيات } وربما أخذت من قوله تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ; لأن أفعال العقلاء إذا كانت معتبرة ، فإنما تكون عن قصد .

وأيضا : فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن أول الواجبات على المكلف : القصد إلى النظر الموصل إلى معرفة الله سبحانه وتعالى . فالقصد سابق دائما ، وسواء في اعتبار التصديق في الأفعال : المسلم والكافر ، إلا أن المسلم يختص بقصد التقرب إلى الله - سبحانه وتعالى - فلا تصح هذه النية من كافر ، بخلاف نية الاستثناء ، والنية في الكنايات ونحو ذلك . وقد تكلم الحافظ العلامة ابن رجب وغيره على حديث عمر كلاما شافيا منه : أن العلماء قد اختلفوا في تقدير معناه فقال بعضهم : إنه من دلالة المقتضى ، وأنه لا بد من تقدير لصحة هذا الكلام ، وأرباب هذا القول اختلفوا . فقال بعضهم : يقدر " صحة " الأعمال بالنيات أو " اعتبارها " أو نحو ذلك وقيل : يقدر " كمال " الأعمال بالنيات . وقال بعض المحققين : إنه ليس من دلالة المقتضى ، وإنه لا حاجة إلى تقدير شيء أصلا ; لأن الحقيقة الشرعية تنتفي بانتفاء ركنها أو شرطها . فإذا لم يكن العمل بنية فهو صورة عمل لا عمل شرعي . فصح النفي ، فلا حاجة لتقدير .

وبالجملة : فمما تدخل فيه النية العبادات جميعها . ومنها : الوضوء والتيمم والغسل عندنا والصلاة فرضها ونفلها ، عينها وكفايتها ، والزكاة والصيام والاعتكاف ، والحج فرض الكل ونفله والأضحية والهدي ، والنذور والكفارات ، والجهاد والعتق ، والتدبير والكتابة ، بمعنى أن حصول الثواب في هذه المسائل الأربعة : يتوقف على قصد التقرب إلى الله تعالى ، ويقال بل يسري هذا إلى سائر المباحات إذا قصد بها التقوي على طاعة الله سبحانه وتعالى ، أو التوصل إليها كالأكل والنوم ، واكتساب المال ، والنكاح والوطء فيه ، وفي الأمة إذا قصد بها الإعفاف ، أو تحصيل الولد الصالح ، أو تكثير الأمة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية