الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ ص: 214 ] وقلتم : لو شهد عليه أربعة بالزنا فصدق الشهود سقط عنه الحد ، وإن كذبهم أقيم عليه الحد ، وهذا من أفسد قياس في الدنيا ، فإن تصديقهم إنما زادهم قوة ، وزاد الإمام يقينا وعلما أعظم من العلم الحاصل بالشهادة وتكذيبه . وتفريقكم - بأن البينة لا يعمل بها إلا مع الإنكار فإذا أقر فلا عمل للبينة ، والإقرار مرة لا يكفي فيسقط الحد - تفريق باطل ، فإن العمل هاهنا بالبينة لا بالإقرار ، وهو إنما صدر منه تصديق البينة التي وجب الحكم بها بعد الشهادة ، فسواء أقر أم لم يقر ، فالعمل إنما هو بالبينة .

وقلتم : لو وجد الرجل امرأة على فراشه فظن أنها امرأته فوطئها حد حد الزنا ، ولا يكون هذا شبهة مسقطة للحد ، ولو عقد على ابنته أو أمه ووطئها كان ذلك شبهة مسقطة للحد ، ولو حبلت امرأة لا زوج لها ولا سيد وولدت مرة بعد مرة لم تحد ، ولو تقايأ الخمر كل يوم لم يحد ، فتركتم محض القياس والثابت عن الصحابة ثبوتا لا شك فيه من الحد بالحبل ورائحة الخمر .

وقلتم : لو شهد عليه أربعة بالزنا فطعن في عدالتهم حبس إلا أن تزكى الشهود ، ولو شهد عليه اثنان بمال فطعن في عدالتهما لم يحبس قبل التزكية ، فتركتم محض القياس ، وقستم دعوى المرأتين الولد وإلحاقه بهما وجعلهما أمين له على دعوى الرجلين ، وهذا من أفسد القياس ، فإن خروج الولد من أمين معلوم الاستحالة ، وتخليقه من ماء الرجلين ممكن بل واقع ، كما شهد به القائف عند عمر وصدقه .

وقلتم : لو قال لأجنبي " طلق امرأتي " فله أن يطلق في المجلس وبعده ، ولو قال لامرأته : " طلقي نفسك " فلها أن تطلق نفسها ما دامت في المجلس ، ثم فرقتم بينهما بأن " طلقي نفسك " تمليك لا توكيل ، لاستحالة أن يكون وكيلا في التصرف لنفسه فيقيد بالمجلس ، وأما بالنسبة إلى الأجنبي فتوكيل فلا يتقيد ، وهذا الفرق دعوى مجردة ولم تذكروا حجة على أن قوله : " طلقي نفسك " تمليك ، وقولكم " الوكيل لا يتصرف لنفسه " جوابه : له أن يتصرف لنفسه ولموكله ، ولهذا كان الشريك وكيلا بعد قبض المال والتصرف وإن كان متصرفا لنفسه ، فإن تصرفه لا يختص به ، ثم ناقضتم هذا الفرق فقلتم : لو قال " أبرئ نفسك من الدين الذي عليك " فإنه لا يتقيد بالمجلس ، ويكون توكيلا ، مع أنه تصرف مع نفسه ، ففرقتم بين " طلقي نفسك " و " أبرئ نفسك مما عليك من الدين " وهو تفريق بين متماثلين ، فتركتم محض القياس .

وقالوا : من أقام شهود زور على أن زيدا طلق امرأته فحكم الحاكم بذلك فهي حلال [ ص: 215 ] لمن تزوجها من الشهود ، وكذلك لو أقام شهود زور على أن فلانة تزوجته بولي ورضا فقضى القاضي بذلك فهي له حلال ، وكذلك لو شهدوا عليه بأنه أعتق جاريته هذه فقضى القاضي بذلك فهي حلال لمن تزوجها ممن يدري باطن الأمر ، فتركوا محض القياس وقواعد الشريعة ، ثم ناقضوا فقالوا : لو شهدوا له زورا بأنه وهب له مملوكته هذه أو باعها منه لم يحل له وطؤها بذلك ، ثم ناقضوا بذلك أعظم مناقضة فقالوا : لو شهدا بأنه تزوجها بعد انقضاء عدتها من المطلق وكانا كاذبين فإنها لا تحل وحبسها على زوجها أعظم من حبسها على عدته ، فأحلوها في أعظم العصمتين ، وحرموها في أدناهما ، وحرمة النكاح أعظم من حرمة العدة .

وقلتم : لا يحد الذمي إذا زنا بالمسلمة ولو كانت قرشية علوية أو عباسية ولا بسب الله ورسوله وكتابه ودينه جهرة في أسواقنا ومجامعنا ، ولا بتخريب مساجد المسلمين ولو أنها المساجد الثلاثة ، ولا ينتقض عهده بذلك ، وهو معصوم المال والدم ، حتى إذا منع دينارا واحدا مما عليه من الجزية وقال : " لا أعطيكموه " انتقض بذلك عهده ، وحل ماله ودمه ، ثم ناقضتم من وجه آخر فقلتم : لو سرق لمسلم عشرة دراهم لقطعت يده ، ولو قذفه حد بقذفه ، فيا للقياس الفاسد الباطل المناقض للدين والعقل الموجب لهذه الأقوال التي يكفي في ردها تصورها ، كيف استجاز المستجيز تقديمها على السنن والآثار ؟ والله المستعان .

وأجزتم شهادة الفاسقين والمحدودين في القذف والأعميين في النكاح ، ثم ناقضتم فقلتم : لو شهد فيه عبدان صالحان عالمان يفتيان في الحلال والحرام لم يصح النكاح ولم ينعقد بشهادتهما ، فمنعتم انعقاده بشهادة من عدله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعقدتموه بشهادة من فسقه الله ورسوله ومنع من قبول شهادته .

وقلتم : لو شهد شاهد على زيد أنه غصب عمرا مالا أو شجه أو قذفه وشهد آخر أنه أقر بذلك ولم يتم النصاب لم يقض عليه بشيء ، ولو شهد شاهد بأنه طلق امرأته أو أعتق عبده أو باعه وشهد آخر بإقراره بذلك تمت الشهادة وقضي عليه .

وقلتم : لو قال له : " بعتك هذا العبد بألف " فإذا هو جارية أو بالعكس فالبيع باطل ، فلو قال : " بعتك هذه النعجة بعشرة " فإذا هي كبش أو بالعكس فالبيع صحيح ، ثم فرقتم بأن قلتم : المقصود من الجارية والعبد مختلف ، والمقصود من النعجة والكبش متقارب وهو اللحم ، وهذا غير صحيح ، فإن الدر والنسل المقصود من الأنثى لا يوجد في الذكر ، وعسب الفحل وضرابه المقصود منه لا يوجد في الأنثى ، ثم ناقضتم أبين مناقضة بأن قلتم : لو قال : [ ص: 216 ] بعتك هذا القمح " فإذا هو شعير أو " هذه الألية " فإذا هي شحم لم يصح البيع مع تقارب القصد .

وقلتم : لو باعه ثوبا من ثوبين لم يصح البيع لعدم التعيين ، فلو كانت ثلاثة أثواب فقال : " بعتك واحدا منها " صح البيع ، فيالله العجب ، كيف أبطلتموه مع قلة الجهالة والغرر وصححتموه مع زيادتهما ؟ أفترى زيادة الثوب الثالث خففت الغرر ورفعت الجهالة ؟ ، وتفريقكم بأن العقد على واحد من اثنين يتضمن الجهالة والتغرير ; لأنه قد يكون أحدهما مرتفعا والآخر رديئا فيفضي إلى التنازع والاختلاف ، فإذا كانت ثلاثة فالثلاثة تتضمن الجيد والرديء والوسط ، فكأنه قال : " بعتك أوسطها " وذلك أقل غررا من بيعه واحدا من اثنين رديء وجيد ، وإذا أمكن حمل كلام المتعاقدين على الصحة فهو أولى من إلغائه ، وهذا الفرق ما زاد المسألة إلا غررا وجهالة ، فإن النزاع كان يكون في ثوبين فقط وأما الآن فصار في ثلاثة ، وإذا قال : " إنما وقع العقد على الوسط " قال الآخر " بل على الأدنى ، أو على الأعلى " .

وقلتم : لو اشترى جارية ثم أراد وطأها قبل الاستبراء لم يجز ، ولو تيقنا فراغ رحمها بأن كانت بكرا أو كانت بائعتها امرأة معه في الدار بحيث تيقن أنها غير مشغولة الرحم ، أو باعها وقد ابتدأت في الحيضة ونحو ذلك ، ثم قلتم : لو وطئها السيد البارحة ثم زوجها منه الغد جاز له وطؤها ورحمها مشتغل على ماء الوطء ، فتركتم محض القياس والمصلحة وحكمة الشارع لفرق متخيل لا يجدي شيئا ، وهو أن النكاح لما صح كان ذلك حكما بفراغ الرحم ، فإذا حكم بفراغ رحمها جاز له وطؤها ، فيقال : يالله العجب ، كيف يحكم بفراغ رحمها وهو حديث عهد بوطئها ؟ وهل هذا إلا حكم باطل مخالف للحس والعقل والشرع ؟ نعم لو أنكم قلتم : " لا يحل له تزوجها حتى يستبرئها ويحكم بفراغ رحمها " لكان هذا فرقا صحيحا وكلاما متوجها ، ويقال حينئذ : لا معنى لاستبراء الزوج ، فله أن يطأها عقيب العقد فذا محض القياس ، وبالله التوفيق .

وقلتم : من طاف أربعة أشواط من السبع فلم يكمله حتى رجع إلى أهله إنه يجبره بدم وصح حجه ، إقامة للأكثر مقام الكل ، فخرجتم عن محض القياس ; لأن الأركان لا مدخل للدم في تركها ، وما أمر به الشارع لا يكون المكلف ممتثلا به حتى يأتي بجميعه ، ولا يقوم أكثره مقام كله ، كما لا يقوم الأكثر مقام الكل في الصلاة والصيام والزكاة والوضوء وغسل الجنابة ، فهذا هو القياس الصحيح ، والمأمور ما لم يفعل ما أمر به فالخطاب متوجه إليه بعد ، وهو في عهدته ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسامح المتوضئ بترك لمعة في محل الفرض لم [ ص: 217 ] يصبها الماء ، ولا أقام الأكثر مقام الكل ، والذي جاءت به الشريعة هو الميزان العادل ، لا هذا الميزان العائل ، وبالله التوفيق .

وقستم الادهان بالخل والزيت في الإحرام على الادهان بالمسك والعنبر في وجوب الفدية ، ويا بعد ما بينهما ، ولم تقيسوا نبيذ التمر على نبيذ العنب مع قرب الأخوة التي بينهما .

وقلتم : لو أفطر في نهار رمضان فلزمته الكفارة ثم سافر لم تسقط عنه ; لأن سفره قد يتخذ وسيلة وحيلة إلى إسقاط ما أوجب الشرع ، فلا تسقط ، وهذا بخلاف ما إذا مرض أو حاضت المرأة فإن الكفارة تسقط ; لأن الحيض والمرض ليس من فعله ، ثم ناقضتم أعظم مناقضة فقلتم : لو احتال لإسقاط الزكاة عند آخر الحول فملك ماله لزوجته لحظة فلما انقضى الحول استرده منها ، واعتذاركم بالفرق - بأن هذا تحيل على منع الوجوب ، وذاك تحايل على إسقاط الواجب بعد ثبوته ، والفرق بينهما ظاهر - اعتذارا لا يجدي شيئا ، فإنه كما لا يجوز التحيل لإسقاط ما أوجبه الله ورسوله لا يجوز التحيل لإسقاط أحكامه بعد انعقاد أسبابها ولا تسقط بذلك .

وإذا انعقد سبب الوجود لم يكن للمكلف لإسقاطه بعد ذلك سبيل ، وسبب الوجوب هنا قائم وهو الغنى بملك النصاب ، وهو لم يخرج عن الغنى بهذا التحيل . ولا يعده الله ولا رسوله ولا أحد من خلقه ولا نفسه فقيرا مسكينا بهذا التحيل يستحق أخذ الزكاة ولا تجب عليه الزكاة .

هذا من أقبح الخداع والمكر ، فكيف يروج على من يعلم خفايا الأمور وخبايا الصدور ؟ وأين القياس والميزان والعدل الذي بعث الله به رسله من التحيل على المحرمات وإسقاط الواجبات ؟ وكيف تخرج الحيلة المفسدة التي في العقود المحرمة في كونها مفسدة ؟ أم كيف يقلل بها مصلحة محضة ومن المعلوم أن المفسدة تزيد بالحيلة ولا تزول وتضاعف ولا تضعف ؟ فكيف تزول المفسدة العظيمة التي اقتضت لعنة الله ورسوله للمحلل والمحلل له بأن يشترطا ذلك قبل العقد ثم يعقدا بنية ذلك الشرط ولا يشرطاه في صلب العقد ؟ فإذا أخليا صلب العقد من التلفظ بشرطه حسب ، والله ورسوله والناس وهما يعلمون أن العقد إنما عقد على ذلك ، فيالله العجب ، أكانت هذه اللعنة على مجرد ذكر الشرط في صلب العقد ، فإذا تقدم على العقد انقلبت اللعنة رحمة وثوابا ؟ وهل الاعتبار في العقود إلا بحقائقها ومقاصدها ؟ وهل الألفاظ إلا مقصودة لغيرها قصد الوسائل ؟ فكيف يضاع المقصود ويعدل عنه في عقد مساو لغيره من كل وجه لأجل تقديم لفظ أو تأخيره أو إبداله [ ص: 218 ] بغيره والحقيقة واحدة ؟ هذا مما تنزه عنه الشريعة الكاملة المشتملة على مصالح العباد في دينهم ودنياهم ، فأصحاب الحيل تركوا محض القياس ، فإن ما احتالوا عليه من العقود المحرمة مساو من كل وجه لها في القصد والحقيقة والمفسدة والفارق أمر صوري أو لفظي لا تأثير له ألبتة ، فأي فرق بين أن يبيعه تسعة دراهم بعشرة ولا شيء معها وبين أن يضم إلى أحد العوضين خرقة تساوي فلسا أو عود حطب أو أذن شاة ونحو ذلك ؟ فسبحان الله ، ما أعجب حال هذه الضميمة الحقيرة التي لا تقصد ، كيف جاءت إلى المفسدة التي أذن الله ورسوله بحرب من توسل إليها بعقد الربا فأزالتها ومحتها بالكلية ، بل قلبتها مصلحة ، وجعلت حرب الله ورسوله سلما ورضا ؟ وكيف جاء محلل الربا المستعار الذي هو أخو محلل النكاح إلى تلك المفاسد العظيمة فكشطها كشط الجلد عن اللحم بل قلبها مصالح بإدخال سلعة بين المرابيين تعاقدا عليها صورة ثم أعيدت إلى مالكها ؟ ولله ما أفقه ابن عباس في الدين وأعلمه بالقياس والميزان ، حيث سئل عما هو أقرب من ذلك بكثير فقال : دراهم بدراهم دخلت بينهما جريرة ، فيالله العجب ، كيف اهتدت هذه الجريرة لقلب مفسدة الربا مصلحة ولعنة آكله رحمة وتحريمه إذنا وإباحة ؟

ثم أين القياس والميزان في إباحة العينة التي لا غرض للمرابيين في السلعة قط ، وإنما غرضهما ما يعلمه الله ورسوله وهما والحاضرون من أخذ مائة حالة وبذل مائة وعشرين مؤجلة ، ليس لهما غرض وراء ذلك ألبتة ، فكيف يقول الشارع الحكيم : إذا أردتم حل هذا فتحيلوا عليه بإحضار سلعة يشتريها آكل الربا بثمن مؤجل في ذمته ثم يبيعها للمرابي بنقد حاضر فينصرفان على مائة بمائة وعشرين والسلعة حرف جاء لمعنى في غيره ؟

وهل هذا إلا عدول عن محض القياس وتفريق بين متماثلين في الحقيقة والقصد والمفسدة من كل وجه ؟ بل مفسدة الحيل الربوية أعظم من مفسدة الربا الخالي عن الحيلة ، فلو لم تأت الشريعة بتحريم هذه الحيل لكان محض القياس والميزان العادل يوجب تحريمها ، ولهذا عاقب الله - سبحانه وتعالى - من احتال على استباحة ما حرمه بما لم يعاقب به من ارتكب ذلك المحرم عاصيا ، فهذا من جنس الذنوب التي يتاب منها ، وذاك من جنس البدع التي يظن صاحبها أنه من المحسنين .

والمقصود ذكر تناقض أصحاب القياس والرأي فيه ، وأنهم يفرقون بين المتماثلين ، ويجمعون بين المختلفين ، كما فرقتم بين ما لو وكل رجلين معا في الطلاق فقلتم : لأحدهما أن ينفرد بإيقاعه ، ولو وكلهما معا في الخلع لم يكن لأحدهما أن ينفرد به ، وفرقتهم بين [ الأمرين ] بما لا يجدي شيئا ، وهو أن الخلع كالبيع وليس لأحد الوكيلين الانفراد به ; لأنه [ ص: 219 ] أشرك بينهما في الرأي ولم يرض بانفراد أحدهما ، وأما الطلاق فليس المقصود منه المال ، وإنما هو تنفيذ قوله وامتثال أمره ، فهو كما لو أمرهما بتبليغ الرسالة ، وهذا فرق لا تأثير له ألبتة ، بل هو باطل فإن احتياج الطلاق ومفارقة الزوجة إلى الرأي والخبرة والمشاورة مثل احتياج الخلع أو أعظم ، ولهذا أمر الله - سبحانه - ببعث الحكمين معا ، وليس لأحدهما أن ينفرد بالطلاق ، مع أنهما وكيلان عند القياسيين ، والله تعالى جعلهما حكمين ، ولم يجعل لأحدهما الانفراد ، فما بال وكيلي الزوج لأحدهما الانفراد ؟ وهل هذا إلا خروج عن محض القياس وموجب النص ؟

وقلتم : لو قال لامرأته " طلقي نفسك " ثم نهاها في المجلس ثم طلقت نفسها وقع الطلاق ، ولو قال ذلك لأجنبي ثم نهاه في المجلس ثم طلق لم يقع الطلاق : فخرجتم عن موجب القياس ، وفرقتم بأن قوله لها تمليك وقوله للأجنبي توكيل ، وقد تقدم بطلان هذا الفرق قريبا .

وقلتم : لو وصى إلى عبد غيره فالوصية باطلة وإن أجاز سيده ، ولو وكل عبد غيره فالوكالة جائزة وإن ردها السيد ولكن تكره بدون إذنه ، وقلتم : إذا أوصى بأن يعتق عنه عبدا بعينه فأعتقه الوارث عن نفسه وقع عن الميت ، ولو أعتقه الوصي عن نفسه لم يجز عن نفسه ولا عن الميت ، وفرقتم بأن تصرف الوارث بحق الملك فنفذ تصرفه وإن خالف الموصي ، وتصرف الوصي بحق الوكالة فلا يصح فيما خالف الموصي ، وهذا فرق لا يصح ، فإن تعيين الموصي للعتق في هذا العبد قطع ملك الوارث له ، فهو كما لو أوصى إلى أجنبي بعتقه سواء ، وإنما ينتقل إلى الوارث من التركة ما زاد على الدين والوصية اللازمة .

وقلتم : لو قال : " ثلث مالي لفلان وفلان " وأحدهما ميت فالثلث كله للحي ولو قال : " بين فلان وفلان " وأحدهما ميت فللحي نصفه ، وهذا تفريق بين متماثلين لفظا ومعنى وقصدا ، واقتضاء الواو للتشريك كاقتضاء " بين " ولهذا استويا في الإقرار وفي استحقاق كل واحد منهما النصف لو كانا حيين ، وقلتم : لو أوصى له بثلث ماله وليس له من المال شيء ، ثم اكتسب مالا فالوصية لازمة في ثلثه ، ولو أوصى له بثلث غنمه ولا غنم له ثم اكتسب غنما فالوصية باطلة ، فتركتم محض القياس ، وفرقتم تفريقا لا تأثير له ، ولا يتحصل منه عند التحقيق شيء ، والله المستعان وعليه التكلان

التالي السابق


الخدمات العلمية